جاء عثمان ومعه المفتاح فعندما دنى من النبي ليعطيه المفتاح، تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم قبل عشر سنين، فأخذته الرهبة فسقط المفتاح من يده، فظلل النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه على المفتاح، ثم انحنى إليه واخذه ثم قال لعثمان: (يا عثمان اتذكر يوم قلت لك كيف بك إذا رأيت المفتاح في يدي، أضعه انا حيث اشاء)، قال: نعم يارسول الله قال: (أرايت اليوم نواصي الخيل تطلع من الحجون)، قال: أشهد أنك رسول الله، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم على درج الكعبة ففتح الكعبة، وأمر بمحو الصور داخل الكعبة، ثم غسلها بماء زمزم، وصلى داخلها ركعتين وقيل ثماني ركعات ثم خرج وقريش واقفة تنتظر مصيرها، فأسند يديه على جانبي الباب وخطب الناس وقال: (لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، يا معشر قريش، إنّ الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خُلق من تراب)، ثمّ تلا: { يَا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ} ثم قال: (يا معشر قريش ويا أهل مكّة ما ترون أنّي فاعل بكم؟)، وسكت، فأخفضوا رؤوسهم، وقالوا من غير أن يرفعوا رؤوسهم، مقولة الذليل المسترحم، قالوا بلسان واحد: أخٌ كريم وابن أخ كريم رحيم، فرد عليهم بأبتسامة الرضا والطمئنينة، حتى يطمئنوا بأن الحال يصدق المقال: (فاني أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء)، فخرجوا فكأنهم نشروا من القبور، وكان أهل مكة أفضل ما يطمحون اليه هو أن يسترقهم المسلمون.