أخذ النبي صلى الله عليه وسلم، يمشي بين الجموع، وكان رئيس كل عشيرة، ورب كل بيت يطمع أن يقبل ضيافته، يأخذون زمام ناقة ويقولون: يا رسول الله إنزل فينا نحن أهل الحلقة، نحن أهل العز،
فمن مكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم يقول: (دعوها فإنها مرسلة، خلّو سبيلها فإنها مأمورة) من أجل تأليف قلوبهم، لحساسية الموقف بين الأوس والخزرج، فما زال على ظهرها صلى الله عليه وسلم، ورديفه عليها أبو بكر من قباء إلى المدينة، ليعلم الناس كلهم مكانته عند رسول الله،
فما زالت تمشي حتى أتت إلى موقع كان مربد تمر لغلامين يتيمين من بني النجار، وإلى جانبه أرض فيها مقبرة قديمة، وإذ بالناقة تقفت وتنظر يمينا وشمالا ثم بركت، وبقي النبي جالس على ظهرها، كأنه يوحى إليه، ثم قامت الناقة فطافت جولة، رسمت حدود المسجد النبوي الذي بناه الرسول والصحابة، ثم رجعت إلى موقعها الأول فبركت فيه فتحلحلت ثم أرزمت، ثم مدت عنقها إلى الأرض وأرزمت وإستراحت ولم تعد تتحرك،
فعلم النبي أن المنزل ها هنا فقال: (ها هنا المنزل إن شاء الله)، ثم وقف وقال: (أي دور أهلنا أقرب إلى هذا المكان؟) قال: أبو أيوب الأنصاري: أنا يا رسول الله، فهذا الباب الذي أمامك هو باب داري، فقال صلى الله عليه وسلم: (إحمل متاعنا إليه) فنزل صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب، فقال له بعض الناس: تنزل عندنا يا رسول الله، فإن بيوتنا أوسع قال لهم: (المرء مع رحله)
فجاء أسعد بن زرارة سيد الأنصار قال: يا رسول الله فاز بها أبو أيوب، فهل تأذن لي أن تكون ناقتك في ضيافتي، فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (لك ذلك)، فأخذها وإذا إحتاجها النبي يحضرها إليه.