بعد ان وقع الخلاف بينهما على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه، وقبل انسحاب الأحزاب بيوم أشتدت قريش على خيمة النبي بنبالها تحاول أن تحقق هدفها وهو قتل النبي فأحاط الصحابة بخيمته صلى الله عليه وسلم، إحاطة السوار بالمعصم، يصدون السهام والنبال، فأقبل سعد بن معاذ رضي الله عنه وعليه درع مقلصة، ومر مسرعاً من أمام مكان مرتفع قد تجمع فيه النساء، وكانت امه والسيدة عائشة من ضمن هذه النساء ينظرون الى ماذا يجري حول خيمة النبي، وفي يده رمح ويجري مسرعاً لخيمة النبي
فقالت له أمه: أي بني تعجل فلقد تأخرت عن رسول الله تقول السيدة عائشة: فما سرني درعه التي يلبس، فإنها غير سابغة قد بانت منها ذراعيه فقلت: يا ام سعد، وددت لو أن درع سعد أسبغ فإني أخشى عليه، فقالت امه: ليقضي الله ماهو قاضٍ،
فأقبل سعد ووقف بباب الخيمة يصد السهام فجاء سهم وصاحبها ينادي خذها وانا ابن القمئة فنزل السهم في اكحل سعد الايسر فنفر الدم وسمع النبي بأصابة سعد، قال النبي: (ابن قمئة؟ اقمئه الله في نار جهنم)، فوضع سعد يده اليمنى على مكان الجرح، والدم ينزف بشدة ثم رفع طرفه للسماء يناجي ربه وقال: اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئاً، فأبقني لها ما بقيت، فإنه لا شيء أحب إلي من ان أجالد قوماً كذبوا نبيك واخرجوه، وإن كان قد وضعت الحرب بيننا وبينهم فأجعله طريقي الى الجنة ولا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة، فما ان انتهى سعد بن معاذ رضي الله عنه من دعائه إلا وقد انقطع الدم،
وأمر النبي أن يمرض في خيمة قريبة من مسجده، مضى النهار وانصرف المشركون عن خيمة النبي، فأرسل الله على معسكر الكفار ريحا شديدة باردة قاسية البرودة فقلبت قدورهم، وأطفئت نيرانهم، واقتلعت خيامهم، بينما كانت هذه الرياح هينة عند معسكر المسلمين ولم يكن بينهما إلا عرض الخندق. فارسل ابو سفيان رسالة للنبي يقول فيها: كنت قد خرجت إليك بعشرة آلاف، وانا أعزم على أن لا أرجع لمكة حتى استأصلك وصحبك ودينك، ولكنك أحتميت وراء خندق، وكان من أمرك ما كان، والأيام بيننا سجال، فأرسل إليه النبي جواباً: (أما بعد: فإنَّ ما عزمت عليه، يحول الله بينك وبينه، وسيأتي عليك يوم أكسر فيه الآت والعزى على مرأى منك، وبيدي مفاتيح الكعبة، وسأذكرك بذلك يا سفيه بني غالب)، ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تلك الليلة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم، أن يرسل أحد الصحابة ليدخل الى جيش الأحزاب يستطلع خبر القوم، قال حذيفة: ثم استقبلنا ينظر فينا واحدا واحدا ثم قال: (إنه كائن حدث في القوم هذه الليلة، ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة)، قال حذيفة: فو الله الذي بعثه بالحق، لم يقم منا رجل واحد، قال فأعادها: (ألا رجل يأتني بخبر القوم ويكون رفيقي في الجنة)، قال: فوالله ما قام منا رجل واحد، ثم نظر إلي وقال: أحذيفة؟ وانا اجلس على ركبتي فتقاصرت الى الارض قلت: لبيك يا رسول الله قال: (تسمع صوتي منذ الليلة ولا تجيب؟ قم)، فقمت واقفاً بين يديه وقلت: والذي بعثك بالحق ما قمت الا حياءً منك
فقال لي: (أذهب فأتني بخبر القوم)، قلت: والذي بعثك بالحق لا أخشى الموت، ولكن اخشى ان يأسروني في هذه الليلة الباردة، فيفتني القوم عن ديني، فقال: (إنك لن تؤسر)، قلت: يا رسول الله، وليس علي إلا مرط لزوجتي لا يستر جميع بدني فإني اقرقف، قال: (لا عليك برد حتى ترجع إلي)، ثم بسط النبي يديه وقال: (اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته)، قال حذيفة: فلما أنطلقت، قال لي النبي: (أأتيني بخبر القوم ولا تذعرهم عليَّ)، فقلت: سمعاً وطاعة يا رسول الله.