عند وصول أمنا عائشة وصفوان رضي الله عنهما المدينة، هنا كان رأس النفاق إبن سلول ممن شاهدهما، فوجدها فرصة، فقال كالمتجاهل للمنافقين حوله: من هذه؟ قالوا: عائشة زوج النبي قال: زوجة نبيكم؟ ومن هذا الذي معها صفوان؟ هل باتت ليلة كاملة مع رجل لا تعرفه؟ ثم اقبلت في وقت الظهر؟ ثم تحول بحديثه عن الزنا وبشاعته،
فأخذوا يرددون كلامه في المدينة بالتلميح دون التصريح، فاصبح الناس يتحدثون عنها وهي لا تعلم،
ولكن الذي لاحظته أن النبي كان اذا دخل لا يتطلف لها كما اعتاد أن يفعل وهي مريضة، والآن اذا دخل يقول لمن حولها من النساء: (كَيْفَ تِيكُمْ؟)، تقول امنا عائشة: انكرت هذه الكلمة، وقلت في نفسي لعله همه أمر المنافقين وهي لا تعلم، اقتربت امنا عائشة من الشفاء، فخرجت لقضاء حاجتها مع أم مسطح،
وفي الطريق عثرت أم مسطح في ثوبها من طوله، قالت: تعس مسطح، فتعجبت امنا عائشة وقالت: بئس ما قلتِ يا خالة أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ قالت لها ام مسطح: يا هُنتاه أولم تسمعي؟ فأخبرتها بكل ما يقوله الناس عنها، وبكل ما خاضوا فيه طوال شهر كامل فذهلت ولم تستطع أمنا عائشة أن تقضي حاجتها من هول ما سمعته فعادت الى بيتها،
قالت: فأنفجرت بالبكاء فبكيت بقيت ليلي واليوم الثاني، والليلة التي بعدها ماتوقف دمعي، لم أذق الطعام، ولم أقوم من فراشي وأزددت مرضا على مرضي،
دخل النبي ولم يسألني عن سبب بكائي فما زاد عن قوله كيف تيكم؟ فوثبت وقلت: يا رسول الله أتأذن لي أن آتي ابوي؟ قال لها: (لا عليكِ)، فذهبت. قالت لأمها: يا أماه ما يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية هوني عليك، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها، ولها ضرائر إلا كثرن عليها، تأكدت امنا عائشة من المعلومة، فأغشي عليها، فلما أفاقت ظلت طوال الليل تبكي وزاد عليها المرض،
وكان النبي في كرب شديد، فأخذ يستشير اقرب الناس إليه من اصحابه، فاستشار زيد بن حارثة فقال: يا رسول الله، أهلك، أهلك، ما علمنا عنهم الا خيرا، ثم استشار علي، فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك، والنساء سِواها كثير، ولكن إسأل الجارية بريرة، فدعاها النبي فقال: (أي بريرة أصدقِ الله ورسوله، هل رأيتِ من شيء يريبك؟) فقالت: لا والذي بعثك بالحق والله، إن عائشة أطيب من الذهب، وأما عمر بن الخطاب المؤيد بالصواب، قال: ألم تخبرنا يا رسول الله أن جبريل اتاك بقطعة وفيها صورة عائشة وقال لك: هذه زوجك في الدنيا والاخرة، يأمرك الله بالزواج منها؟ قال النبي: (بلى)، قال: إذن إن الله لا يختار لك زانية وانا أحكم أنها بريئة، وان تنزل العقوبة بكل من أتهمها.
ولأن النبي قدوة للأمة الى قيام الساعة فكان يريد حجة، فالمصيبة تدور في بيت النبوة قاربت الخمسين يوما، وجبريل لم يأت، والنبي ممكن أن يُظهر برأتها، ولكنه يريد دليل يواجه به المنافقين،
فقام وخطب في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِ بَيْتِي، فَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا، وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي،
فقام سعد بن معاذ وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْذِرُكَ مِنْهُ، إِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ،
فقام سعد بن عبادة فقال لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ،
فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ،
وسل سعد بن معاذ سيفه وكاد أن يقع قتال بينهما،
هذا ما يريده اليهود والمنافقين، والنبي قائم على المنبر، أخذ يهديء الناس حتى هدئوا وسكتوا، ونزل واجماً حزيناً مهموماً، وباتت امنا عائشة ليلة ثانية تبكي.