وفي الصباح ركب صلى الله عليه وسلم ناقته ودخل مكة نهارا في اربعه ذي الحجة ملبياً مكبراً ومعه هذا الجمع الذي بلغ مئة واربعين الفا كلهم يكبرون ويهللون، واستقبله أهل مكة بفرح، فما زال يسير صلى الله عليه وسلم حتى إذا وقع نظره على البيت قال بأعلى صوته معلماً اصحابه: (اللهم إن هذا البلد بلدك، والأمن أمنك، والحرم حرمك، اللهم كما جعلته حرماً آمناً، فحرم جسدي على النار)، ثم مضى وقال: (أضربوا خيامنا في الحجون عند قبر خديجة، فأستراح الناس، وبعد أن استراحوا ركب صلى الله عليه وسلم ناقته ثم يمم وجهه نحو البيت العتيق ودخل من جهة المسعى فلما وقع نظره صلى الله عليه وسلم على الكعبة قال: (اللهم زد بيتك هذا مهابةً وتشريفاً وتعظيماً، وزد اللهم كل من حجه وأعتمره مهابةً وتكريماً وتشريفاً)، ثم نزل من على راحلته وأتى الى الحجر الاسود فأستلمه بيديه ثم وضع شفتيه عليه وقبَّلهُ ثم سكب دموعاً ثم بدأ طوافه ماشياً على قدميه في الشوط الأول وعندما وصل الى الركن اليماني استلمه بيده ولم يقبله ولم يقبل يده، ومضى وقال: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربي اغفر وأرحم وتجاوز عما تعلم)، فلما وصل صلى الله عليه وسلم للحجر الاسود مرة أخرى لم يصنع كما صنع اولا، لكنه أشار للحجر بيده وقبل يده ومضى حتى أتم ثلاثة اشواط، ثم ركب صلى الله عليه وسلم ناقته وطاف واتم أربعة اشواط بعيداً عن جدار الكعبة ليفتح الطريق للناس ويراه الجميع، وكان كلما وصل للحجر الاسود وهو على ناقته أشار إليه بمحجنه ثم قبل راس العصا ومضى، ثم قال لعمر رضي الله عنه:(يا عمر أنت رجل قوي فلا تزحم الناس، إن رأيت فرجة فأستلم، وإلا فأشر بيدك وأمضي)، هذا حتى يعلمنا، وأتم طوافه صلى الله عليه وسلم.