خرج صلى الله عليه وسلم من المدينة صائما هو وجيشه الذي قوامه عشرة آلاف مقاتل مدججين بالسلاح، لم تشهد الجزيرة هذا العدد الكبير الا جيش أبرهة في عام الفيل الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان الخروج في العشر من رمضان من الثامنة من الهجرة، حتى اذا وصلوا الى موضع اسمه الكديد أفطروا، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم يفطر حتى دخل مكة، وقريش لا تعلم شيئا عن تحركات المسلمين، وقد أعمى الله الأخبار عنها، وفي هذه الأثناء خرج العباس بن عبد المطلب بأهله من مكة مهاجرا الى المدينة، لأنه كان عيناً للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، فكان آخر من هاجر من المسلمين، فقابل جيش المسلمين في منطقة الجحفة وسر به النبي صلى الله عليه وسلم، وانضم الى الجيش، وأرسل أهله وثقله إلى المدينة، فلما وصل صلى الله عليه وسلم الى مَرُّ الظهران وهو وادٍ في شمال مكة يبعد عن مكة اثنان وعشرين كيلومتر فعسكر الجيش، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يوقد كل منهم نارا فأوقدوا عشرة آلاف نار، حتى اذا رأتهم عيون قريش تصيبهم الرهبة، وجعل قائد الحرس هو عمر بن الخطاب، وكان العباس عندما راى جيش المسلمين وكثرتهم، أشفق على قريش فركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم واتجه الى مكة، حتى يقنع قريش بأن تستسلم وتطلب الأمان من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد خرج من مكة أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الأخبار بأنفسهم، فلما رأوا النيران قال أبو سفيان: ما رأيت كالليلة نيرانا قط ولا عسكرا، هذه النيران كنيران عرفة، فقال بديل: هذه والله خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة هي أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها فسمعهم العباس فنادى بأعلى صوته: يا أبا حنظلة فقال أبو سفيان: أبا الفضل؟ قال: نعم قال أبو سفيان: مالك، فداك أبي وأمي؟ فقال: ويحك يا أبا سفيان هذا رسول الله في الناس، على رأس عشرة ٱلاف مدجج بالسلاح، يا ويل قريش والله، واصباح قريش قال أبو سفيان: فما الحيلة يا ابا الفضل فداك ابي وأمي؟ قال العباس: اتسأل المشورة هذا الليلة يا ابا حنظلة؟ والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب خلفي على هذه البغلة، حتى آتي بك رسول الله فأستأمنه لك، ورجع حكيم وبديل الى مكة.