قصة وعبرة:
حطاب يجمع ما احتطب في اكوام ،ففوجئ بشاب يركض ويلهث من التعب فطلب منه ان يخبئه في احد اكوام الحطب لكي لا يراه اعداؤه الذين في اثره يريدون قتله، فقال الحطاب ادخل في ذلك الكوم الكبير فدخل و غطاه ببعض الحطب،واستمر الحطاب يحتطب ويجمع الحطب وبعد قليل اقبل اليه رجلين مسرعين وسالاه عن الشاب،فقال لهم: نعم لقد خباته عنكما في ذلك الكوم، فكاد قلب الشاب يقف من شدة الخوف والهلع لما سمع ما قاله الحطاب، فقال احدهما للاخر :ان هذا الحطاب الخبيث يريد ان يشغلنا في البحث عنه في كوم الحطب ليعطيه فرصة للهرب.لا تصدقه فليس من المعقول ان يخبئه ثم يدل عليه، هيا نسرع للحاق به. فمضيا مسرعين، خرج الشاب لما ابتعدا مذهولا ومستغربا فقال معاتبا الحطاب: كيف تخبئني عندك وتخبرهم عني اليس لك قلب اليس عندك رحمة؟ فقال الحطاب: يا بني اتراك هلكت ام نجوت؟ قال: بل نجوت فقال الحطاب: انجاك الصدق يا بني، فاذا كان الكذب ينجي فالصدق انجى، ووالله لو كذبت لبحثوا عنك ووجدوك ثم قتلوك، سر على بركة الله واياك والكذب واعلم ان الصدق طريق النجاة
قصة مثل:
دائمًا يُقال الموضوع فيه إنّ فما قصة هذه الـ « إنّ »؟كان في حلَب أميرٌ ذكيٌّ فطِنٌ شجاعٌ اسمه علي بن مُنقِذ، كان تابعًا للملك محمود بن مرداس، حدثَ خلافٌ بينهما وفطِن الأمير إلى أنّ الملكَ سيقتله، فهرَبَ مِن حلَبَ إلى دمشق. طلب الملكُ مِنْ كاتبِه أن يكتبَ رسالةً إلى الأمير يطمئنُهُ فيها ويستدعيه للرجوعِ إلى حلَب.وكان الملوك يجعلون وظيفةَ الكاتبِ لرجلٍ ذكي،حتى يُحسِنَ صياغةَ الرسائلِ وكان أحيانًا يصيرُ الكاتبُ ملِكًا إذا مات الملك.شعَرَ الكاتبُ بأنّ الملِكَ ينوي الغدر بالأمير، فكتب له رسالةً عاديةً جدًا، ولكنه كتبَ في نهايتها (إنَّ شاء اللهُ تعالى) بتشديد النون،لما قرأ الأمير الرسالة، وقف متعجبًا عند ذلك الخطأ في نهايتها، لكنّه أدرك فورًا أنّ الكاتبَ يُحذِّرُه من شئ ما حينما شدّدَ تلك النون،ولمْ يلبث أنْ فطِنَ إلى قولِه تعالى: {إنّ الملأَ يأتمرون بك ليقتلوك}ثم بعث الأمير رده برسالة عاديّةٍ يشكرُ للملكَ أفضالَه ويطمئنُه على ثقتِهِ الشديدةِ به، وختمها بعبارة :إنّا الخادمُ المُقِرُّ بالإنعام.بتشديد النون فلما قرأها الكاتبُ فطِن إلى أنّ الأمير يبلغه أنه قد تنبّه إلى تحذيره المبطن، وأنه يرُدّ عليه بقولِه تعالى : {إنّا لن ندخلَها أبدًا ما داموا فيها}واطمئن إلى أنّ الأمير ابنَ مُنقِذٍ لن يعودَ إلى حلَبَ في ظلِّ وجودِ ذلك الملكِ الغادر. ومنذ هذه الحادثةِ، صارَ الجيلُ بعدَ الجيلِ يقولونَ للموضوعِ إذا كان فيه شكٌّ أو غموض:(الموضوع فيه إنّ)من كتاب المثَل السائر في أدبِ الكاتبِ والشاعرللعلّامة : ضياء الدين ابن الأثير