في عام الوفود جاءت القبائل العربية لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم على الاسلام، وكذلك القبائل التي تسكن على اطراف بلاد الشام، وحملت اخبار للنبي ان الإمبراطورية الرومانية تحشد جيوشها لغزو الجزيرة، وقد وصلت الى منطقة البلقاء غرب الأردن، وهذا لخوفهم من التصاعد السريع لقوة الدولة الإسلامية والرغبة في كسر شوكتها قبل أن يستفحل خطرها وتهديدها في عقر دارها، وللإنتقام من الإنتصار الذي حققه المسلمون في مؤتة، فاتخذ النبي قراره السريع بالخروج لقتالهم في الشام، وحماية للقبائل التي دخلت في الإسلام لانهم من ضمن مسؤليته، وتدعيم لقوة وسلطان المسلمين في الجزيرة. مع أن الجيش الذي سيظل في مكانه سيتمتع بميزة هامة، مع أن الآخر سيصل مرهق لبعد المسافة وحرارة الصيف في صحراء قاحلة، وطرق وعرة، ومع ذلك اتخذ النبي القرار بالزحف في اتجاه الشام، مع علم النبي أن الجنود الرومان والغساسنة لا يتحملون التوغل في الصحراء وهذه المسافة الطويلة وفي هذه الحرارة العالية، أمر النبي الصحابة بالتجهز للقتال، كما أرسل الى القبائل التي دخلت في الإسلام، وإلى مكة ليستنفرهم للقتال، ولأول مرة يعلن صلى الله عليه وسلم وجهة الجيش، لبعد المسافة والطرق وعرة والحر شديد، فينبغي أن يستعدوا، لدرجة أن النبي أمر أن يصحب كل رجل معه نعلان، وكذلك تجهيز أنفسهم نفسيا لهذه الغزوة الشاقة، وحث النبي أصحابه على الصدقات لتجهيز الجيش، فتسارع الصحابة في الصدقة، وكانت لأغنياء الصحابة نفقات عظيمة كالعباس بن عبد المطلب، وطلحة بن عبيد الله، ومحمد بن مسلمة، وعاصم بن عدي وغيرهم الكثير، وتصدق عبد الرحمن بن عوف بنصف ماله، وتصدق عمر بن الخطاب بنصف ماله كذلك، قال عمر: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي، فجئت بنصف مالي، وقلت: اليوم اسبق ابا بكر، فقال النبي: ما أبقيت لأهلك؟ قال عمر: مثله، ثم أتى أبو بكر، وتصدق بأربعة آلاف درهم، فقال له النبي: ما أبقيت لأهلك؟ فقال أبو بكر: أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أسابقك الى شيء أبدا. وتصدق فقراء المسلمين بما يقدرون عليه، حتى أن بعضهم تصدق ببعض التمر، وبعثت النساء بحليهن من خواتم وخلاخل وحلق وغير ذلك. أما أكثر من أنفق هو عثمان بن عفان، وقف وقال: علي مئة بعير بأحلاسها واقتابها في سبيل الله، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم درجة من على المنبر ثم حض على الجيش، فقال عثمان: يا رسول الله، عليَّ مائتا بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم درجة ثانية على المنبر ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله, عليَّ ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله حتى شنق أسقيتهم، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من على المنبر الدرجة الثالثة وهو يقول: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ، ماضر عثمان ما عمل بعد ليوم).