استقر المسلمون في الشعب، وجلسوا يلتقطون أنفاسهم ويداوون جراحهم، وجاءت نساء المسلمين وفيهم فاطمة، فاحتضنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخرج أبو عبيدة بن الجراح حلقتي المغفر من وجه الرسول بأسنانه، حتى سقط سنين منها واندفعت الدماء من وجه النبي، فجاء علي بالماء وغسل وجه الرسول ولم تتوقف الدماء، فأخذت فاطمة قطعة من حصير وحرقتها ثم ألصقتها بمكان الجرح فاستمسك الدم،
فقال صلى الله عليه وسلم: (كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدماء)،
فانزل الله عليه: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}،
تهيأ المشركون للإنصراف، وأراد أن يستوثق أبو سفيان من أمر قتل النبي، فأقترب من الجبل ونادى: أفيكم محمد؟ أفيكم ابن أبي قحافة؟ أفيكم عمر بن الخطاب؟ فلم يجبه أحد، فأعتقد أنهم قد قتلوا، فصاح في سعادة وفرح لقد انتصرنا، أما هؤلاء فقد كفيتموهم.
فصاح عمر: يا عدو الله، إن الذين ذكرتهم أحياء، وقد أبقى الله ما يسوءك.
قال ابو سفيان: قد كان فيكم مثلة لم آمر بها، أعل هُبَل.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا تجيبونه؟ قولوا الله أعلى وأجل)،
ثم قال: لنا العُزَّى ولا عزى لكم،
فقال النبي: (ألا تجيبونه؟ قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم)،
ثم قال: يوم بيوم بدر، والحرب سجَال،
فأجابه عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار،
قال أبو سفيان: هلم إلي يا عمر،
فقال النبي: (ائته فانظر ما شأنه؟) فذهب إليه عمر،
قال أبو سفيان: أنشدك الله يا عمر، أقتلنا محمداً؟
قال: اللهم لا، وإنه ليستمع كلامك الآن، فقال: أنت أصدق عندي من ابن قمئة وأبر، وقبل أن ينصرف أبو سفيان ومن معه
نادى: إن موعدكم بدر العام القابل،
فقال رسول الله لرجل من أصحابه: (قل نعم هو بيننا وبينك موعد). ثم بعث رسول الله علي وقال: (أخرج في آثار القوم فانظر ماذا يصنعون؟ وما يريدون؟ فإن كانوا قد جنبُوا الخيل، وامتطُوا الإبل، فإنهم يريدون مكة، وإن كانوا قد ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنهم يريدون المدينة)، فقال علي: جنبوا الخيل وامتطوا الإبل، ووجهوا إلى مكة، ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يتفقد القتلى والجرحى؛ وهنا كانت المصيبة العظمى.