بعد الانتهاء من الحج، أهل مكة بقوا في مكة وأهل الطائف ذهبوا للطائف، وأهل اليمن ذهبوا لليمن، وبعدما ودعهم عاد للمدينة، كان من سنته صلى الله عليه وسلم السير بهم ليلا، ويرتاح بهم نهارا، ثم انطلقوا، فلما وصل النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة من بعيد ونظر لبساتينها ورأى تلالها قال: (هذه طابة وهذه طيبة)، وقال: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، ثم دخل صلى الله عليه وسلم مدينته واستقبله من كان فيها، وفي صفر من السنة الحادية عشر من الهجرة،
أَمر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد على سرية لغزو الشام، قيل كان عمره سبعة عشر وقيل عشرين عاما، ولكن تكلم الناس في هذا قالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين، مثل ابو بكر وعمر وغيرهما الى محاربة الروم؟ وعلم النبي صلى الله عليه وسلم بما يتكلمون، فقام بعد صلاة من الصلوات فاستدار واستقبلهم على الفور قائلاً: (لقد بلغني ما تقولون في اسامة، ولئن طعنتم في إمارة أسامة، فلقد طعنتم في إمارة أباه من قبله، وأيم الله إنه كان للإمارة لخليقاً، وإن كان لأحب الناس إلي، وإن ولده هذا من أحب الناس إلي بعده، فاستوصوا به خيراً، فإنه من خياركم)، وبدأ المسلمون يستعدون للخروج، وأمره أن يسير حتى يصل الى مؤتة، وقال له: سر إلى موضع مقتل أبيك، وأمره أن يعسكر على باب المدينة حتى يتجمع الجيش، وقبل أن ينطلق شاع الخبر بالمدينة أن النبي صلى الله عليه وسلم وجعٌ لا يفك العصابة عن رأسه فتوقف الجيش ولم يتحرك، وقبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأيام ينزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعيت إلي نفسي)