– منها، وصل الى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أحد بثلاثة أشهر، أخبار ان قبيلة بني أسدِ تستعد للإغارة على المدينة، فلم يمهلهم وأرسل اليهم سرية قوامها مئة وخمسين مجاهد أميرهم أبو سلمة عقد له اللواء، وقال له: (اغدو على بركة الله وانزل خيلك قوم أسدِ، فإنهما يجمعون للإغارة على المدينة)، واوصاه النبي اخذاً بالاسباب: (سر ليلاً وأكمن نهاراً، تعم عنك الاخبار)،
اخذ معه دليل وسار على بركة الله حتى فاجئ القوم وهم مجتمعين عند ماء لهم، ففروا منه فأخذ جميع ما يملكون من أبل وشاة وغنائم، وعادوا الى المدينة.
-ومن الآثار أن فارس مغامر اسمه خالد بن سفيان الهذلي، بدأ يدعو لغزو المدينة، واتخذ لنفسه مقر في وادي عرنة، بالقرب من مكة ليتجمع المرتزقة الذين طمعوا في نهب خيرات المدينة، وصلت هذه الأخبار الى النبي فقرر ألا يمهله واختار لهذه المهمة الصعبة عبد الله بن أنيس الجهني، كان يجمع بين الشجاعة وقوة القلب والقدرة على التحكم في المشاعر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزو المدينة، فائته فأقتله)،
فقال: لبيك يا رسول الله، ولكن انعته لي حتى اعرفه فقال: (إذا رأيته وجدت له قشعريرة)، فأنطلق حتى وصل فلما رآه وجد ما وصف له رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة، ثم خاف عبد الله إذا حصل بينهم قتال طويل ان تضيع منه الصلاة، فصلى وهو يمشي نحوه وأخذ يومأ برأسه في الركوع والسجود، وقد أقره النبي بعد ذلك عليها، وسمية صلاة الطالب والمطلوب، فلما وصل الى خالد، قال: من الرجل؟ فقال: رجل سمع بك وبجمعك لهذا الرجل فجاءك في ذلك فقال: أجل أنا في ذلك، فمشى عبد الله معه قليلا وهو يحدثه، ثم رفع سيفه وقتله، فلم يراه احد وانطلق راجعا الى المدينة فلما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم استقبله متهلل الوجه مشرقاً فرحاً وقال له: (أفلح الوجه يا عبد الله) فقال: أجل قتلته يا رسول الله، فقام النبي ودخل حجرته، واحضر عصا وأعطاه أياها، وقال: (أمسك هذه عندك يا عبدالله)، فقال له الصحابة: يا عبد الله ما هذه العصا؟ قال: أعطانيها رسول الله، وأمرني ان احتفظ بها، قالوا: أولا ترجع وتسأله عنها، فرجع وقال: يا رسول الله، لمَِ اعطيتني هذه العصا؟ قال: (يا عبدالله إنها آية بيني وبينك يوم القيامة) وبقيت معه، حتى ضمت في كفنه ودفنت معه، وسيبعث من قبره وهو يحملها رضي الله عنه وارضاه.
وهذه يقظة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة تدل على حزمه وحسمه في التعامل مع الأخطار في بدايتها، فمن لم يعرف نبيه فقد ضاع عمره سُدى.