في طريق عودة سرية محمد بن مسلمة الى المدينة تم أسره وربطه بسارية المسجد، وبقي ثلاثة أيام،
كلما مر من عنده النبي قال له: ماذا عندك يا ثمامة؟ فقال: عندي خيراً يا محمد، إن تقتلني تقتل ذا دمٍ، وإن تُنعم تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل منه ما شئت،
فقال النبي في اليوم الثالث:(أطلقوا ثمامة)، فاطلقوه ثم ذهب قريبا من المسجد، ودخل بين النخيل والاشجار واغتسل، ثم دخل وقف في وسط المسجد والنبي بين اصحابه وقال: يا محمد والله ما كان على الأرض كلها وجهٌ أبغضَ إليَّ من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، يا محمد والله ما كان على الأرض كلها دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ يا محمد والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إليَّ، وإني يا محمد أعلن أمام الجميع غير مكره ولا حانث، أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وامر أن يقرؤوه القران ويفقهوه بالدين، فلما قضى اياماً قال للنبي: يا رسول الله إن خيلك أخذتني، وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ اتأذن لي الآن في العمرة؟ فأذن له الرسول ودعا له بخير،
فأنطلق ثمامة فدخل مكة ورفع صوته بالتلبية على مسمع قريش فتركوه حتى انتهى من عمرته فأخذوه وقالوا له: يا ثمامة صبوت؟ قال: لا، بل أسلمت مع محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالوا: وجئت تغيظنا بتلبية محمد، قدموه فلتضرب عنقه، فقام رجل وقال: ويحكم أنسيتم أنه سيد بني حنيفة؟ ومن أين تأتيكم الحبوب وأعلاف ماشيتكم؟ ومن اين تأتيكم كذا وكذا؟ فتوقفوا، ووقف ثمامة في صحن الكعبة معلناً وهو يقسم بالله فقال: لا والله وأقسم برب هذا البيت، لا يأتيكم حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج من عندهم وبر في قسمه ومنع قومه من اليمامة أن يرسلوا لقريش شيء، ولا يأذنوا لتاجرٍ في مكة ان يدخل اليمامة، وأمر قومه بمقاطعة قريش،
فكان أول من قام بالمقاطعة الإقتصادية في الاسلام، حتى جهدت قريش، وضاقت احوال مكة بهذه المقاطعة، ثم كتب أبو سفيان إلى النبي رسالة، يقول فيها: يا محمد، تزعم أن الله أرسلك رحمة للعالمين، وإنك تأمر لصلة الرحم، فما رأينا من رحمتك الا السيف، وها انت تقطع ارحامك في مكة فإن رجل من أصحابك، قد منعهم قوتهم فجاع العيال وهلك الكبار،
ومن كرم اخلاقه صلى الله عليه وسلم، ارسل الى ثمامة أن لا يمنع من خيرات اليمامة عن مكة شيء، وأن تبقى الأمور على ما كانت عليه قبل اسلامه، فلما رأى ثمامة خُلق النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش الذين تحزبوا وجمعوا له الأحزب بالأمس القريب، وكيف يعاملهم، قام ثمامة ودعا قومه الى الاسلام، فأسلموا
فقال شاعرهم معتزا بأسلام سيده ثمامة: ومنا الذي لبى بمكة معلناً* برغم أبي سفيان في الأشهر الحرمِ.