بعد ما رفضوا المباهلة خيرهم بين ثلاث واختاروا دفع الجزية، ثم كتب النبي صلى الله عليه وسلم لنصارى نجران كتاب عهد وذمة وقال فيه بالحرف: (اكتبوا هذه ذمة الله وذمة محمد رسول الله لنصارى نجران) فأنقلب القوم الى قومهم راضين، ليدفعوا الجزية لأبي عبيدة، ثم ما أن وصلوا واخبروا قومهم، فقال لهم قومهم: بئس ما رجعتم به إلينا، علمتم أن محمداً على الحق ورضيتم أن يحكم فينا، ولم تتبعوه ولم تصدقوه، فضاج القوم على قادتهم، ثم رجعوا جميعاً الى للنبي مسلمين، {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. لأن أهل الكتاب أهل جدل لا طلاب حق. ومن شواهد هذا الجدل، عندما كان علي بن ابي طالب رضي الله عنه اميراً للمؤمنين في العراق، قام بتعيين قاضي ليقضي بين المسلمين، فجاء يهودي لئيم وتنكب خفيتا رحل أمير المؤمنين، حتى إذا وجد منه غفلة، أسقط درعه من على راحلته ثم أخذه ومشى، فقال له علي: يا عبد الله هذا درعي، فقال اليهود: لا يا امير المؤمنين بل هذا درعي، قال: ويلك سقط من على رحلي، قال اليهودي: لا إنه درعي فرفع أمير المؤمنين الأمر الى القاضي، فجاء أمير المؤمنين وجلس وتأخر اليهودي فلما دخل قال القاضي: يا أمير المؤمنين قم وقف الى جانب خصمك، فوقف علي جنب اليهودي مقابل القاضي، فقال القاضي: يا أمير المؤمنين هل هنالك بينة بأن هذا الدرع لك؟ قال: ليس لي من بينة، قال القاضي: فهل عندك شهود بأن هذا اليهودي اسقطه من رحلك وأحتمله؟ قال: لا، فقال القاضي لليهودي: هل عندك بينة بان هذا الدرع لك قال اليهودي: لا، قال: فهل عندك شهود؟ قال: نعم، ثم احضر الشهود، فأطرق القاضي وتصبب عرقاً، ثم رفع رأسه، وقال: يا امير المؤمنين، والله إني أعلم أنك صادق لا أتهمك بكذب، وأنا على يقين بأن هذا الدرع هو لك، فإنك لا تفتري، ولكن يا أمير المؤمنين لا استطيع ان احكم إلا بشرع الله، فإما بينة وإما شهود وانت قد اعتذرت عن الاثنتين، ولكن خصمك قد أتى بشهود، وأنا ملزم أن أحكم بمن أتى بشهود فالدرع لليهودي وعوضك الله خير منها، فخرج أمير المؤمنين ولم يعقب ولم يحدث ولم يتكلم بحرف واحد، وخرج اليهودي يحمل الدرع، وهو ينظر الى علي رضي الله عنه ويضحك.