ما زال النبي يحث أصحابه على العمل في الخندق نشَّطهم وشجعهم بأبيات شعر لأبن رواحة رضي الله عنه، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: إني لأنظر لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل معنا فإذا لم يكن بين يديه مكتل قال: فإذا لم يكن بين يديه مكتل ، يحمل التراب في ثوبه فإنه ليرفع ثوبه حتى وارى التراب بياض بطنه عنا، وهو يرتجز:
(اللهم لا عيش إلا عيش الآخره * فارحم الأنصار والمهاجره)، فيجيبه اصحابه مهاجرين وانصار (نحن الذين بايعوا محمدا * على الجهاد ما بقينا أبدا) فينشط الناس في العمل، وكانوا إذا بردت همتهم اخذ يتمثل بشعر تمثلا بقول ابن رواحة،
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينة علينا * وثبت الأقدام إذ لاقينا
والمشركون قد بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا)
فإذا قال أبينا يكررها ثلاثاً ويمد بها صوته بعلو أبينا أبينا أبينا فيجيبه اصحابه أبينا أبينا أبينا. فكانوا يعملون بجد، ولا يفترون وإذا اضطر أحدهم للذهاب استأذن النبي وقضى حاجته بأسرع ما يكون،
قال ابو بكر: كان يعمل معنا ويضرب بمعوله، ويأخذ بالمسحاة، ويحمل بالمكتل فإن لم يجد شي يحمل التراب به، حثا التراب بيديه في ثوبه وحمله فأعياه التعب فاتكأ الى صخرة، فأغفا فقلت: يا عمر دونك، نقف عند رأس رسول الله نصد الناس عنه لعله يأخذ قسطاً من الراحة فقمت انا وعمر عند رأسه، نُنحي الناس عن طريقه
فلما أفاق قال: (ما هذا؟) فقال: أغفيت يارسول الله قليلاً قال: (هلاَّ أفزعتموني إنما أنا واحد منكم)،
وكان بين صفوفهم منافقون فكيف كانت همتهم في العمل بالخندق؟ كانوا يتسللون هرباً من العمل، ويعتذرون بالأعذار الكاذبة والنبي اشد الناس حياءً فنزل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} {فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ، وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} لجبر نقص أجره في عمل الخندق حتى لو استأذن؟ وعندما انتهوا من حفر الخندق قال النبي: (هل بقي من شي؟) قالوا: ثلمة من هناك قال: (ارفعوا الحجارة عندها واجعلوه ترساً، واحرصوا على تلك الثغرة فإني أرى عدوكم الليلة) وقام يصلي في خيمته وكلما أحس بخطر يخرج من خيمته ويقول بصوت عالي: (من هناك؟) فيقول سعد: خادمك سعد بن أبي وقاص يقول: (من معك؟) يقول: الزبير يقول: (دونكم تلك الثلمة، فلا أرى إلا قريش تطوف بها)، قال: فأنطلقنا فإذا قريش قد وصلت إليها ووصلت قريش فلما رأوا الخندق ذهلوا، وقالوا ماهذه المكيدة، لم تكن العرب تعرفها فقال اليهودي: قيل لي أن في اصحابه رجل فارسي، فهذا من مكيدته لعله هو الذي أشار عليهم فطافوا بالخندق لا يمكن اقتحامه؟ وأخذوا يفكرون ويتشاورون، ولا يمكن لهم الدخول من الحرتين.