إنتقل صلى الله عليه وسلم من العهد المكي، إلى بداية العهد المدني:
أصبحت السيرة تأخذ طابع جديد، فقد أصبح صلى الله عليه وسلم صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في المدينة،
فقد إبتلاه الله بأخس خلق الله وأحقرهم وأسفههم اليهود ولحسن خلقه وسعة صدره صلى الله عليه وسلم وليحقق قوله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} واليهود من العالمين فوسعهم بحلمه ، وصبر عليهم وبدأ مشواره معهم في المدينة فدعاهم إلى الله، فعرفوه فساء صباحهم أنه من ولد إسماعيل، فكانوا ينتظرون أن يكون من ولد إسحاق ويعقوب، ولما سمعوا بمبعثه تيقنوا الخبر ومع ذلك كله، رغب النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامهم ، ولكن لم يؤمن إلا آحاد يعدوا على الأصابع، وكفروا ولا إكراه في الدين، لم يلزمهم ويجبرهم على الإسلام، ولكن جعل بينه وبينهم معاهدة،
فكتب معاهدة تجمع الأوس والخزرج المؤمنين جانباً، واليهود الذين يجاوروهم ثلاث قبائل جانبا آخر، ذات بنود طويلة، وملخصها لهم الحق أن يعيشوا في المدينة كأهل المدينة لا قيود عليهم أبداً، يبيعون ويشترون ويعبدوا ما يشاؤون، لهم حقوق وعليهم واجبات، حقوقهم أن تعيشوا معنا بأمان ، وواجبكم إذا هاجمنا عدو، أن تدافعوا عن المدينة كما ندافع نحن، وإذا وقعت بينكم وبين أحد منا دماء الحكم فيها لله،
ولكن اليهود والعهود ضدان لا يجتمعان أبداً، ولن تجد أوفى عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد إلتزم معهم بالعهود بكل ما يرضي الله، واليهود لم يوفوا له ببند واحد قط، وهذا طبعهم وسورة البقرة مدنية نزلت في المدينة وأكثر الآيات فيها تخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن خبث يهود ومكرهم وملخصها أن يهود وعهود ضدان لا يجتمعان ابداً.