وكان صلى الله عليه وسلم قد ساق هديه معه من المدينة، فأشعر وقلد، قيل أن النبي صلى الله عليه وسلم ساق مئة بدنة وقيل ثلاثة وستين على عدد سنين عمره ساقها بين يديه فجاء علي بن ابي طالب رضي الله عنه من اليمن ببقيتها فأصبح العدد مئة، فقدم النبي صلى الله عليه وسلم هدياً بالغ الكعبة طعمة للفقراء والمساكين، ساق هديه وأعلن نيته في مصلاه، قال جابر رضي الله عنه: أوجب النبي صلى الله عليه وسلم في مصلاه، قالها صلى الله عليه وسلم في مصلاه، ثم خرج من قبته وركب ناقته واستوت به قائمة، فأعاد تلبيته على سمع الناس مرة أخرى ليسمعوا فتنادى أصحابه قائلون: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحرموا فقال الناس: لبيك اللهم لبيك فلما انطلقت به ناقته وخرج من ذو الحليفة وأصبح في البيداء واجتمع الناس حوله وإني لأنظر مد البصر بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله من الناس وكل واحد يريد أن يأخذ نسكه عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه صلى الله عليه وسلم وقال بأعلى صوته: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك)، فقال جابر: فالذين سمعوه وهم حوله في مصلاه قالوا احرم وأوجب في مصلاه والذين سمعوه حين استوت به ناقته قائمة على باب خيمته قالوا: احرم حين ركب ناقته والذين سمعوه في الطريق قالوا: احرم حين انطلقت به ناقته بالبيداء ثم قال جابر رضي الله عنه: فوالله إنها لأحرامة واحدة، وانطلق بين مئة ألف ونيف من الألوف المؤلفة الذي ألف بينها الاسلام والايمان قال تعالى: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} فكانت هذا الألوف المؤلفة قلوبهم على محبة الله ورسوله انطلقت تلبي وشهدت الأرض، وما فوقها وما تحتها والكون كله والفضاء المحيط بها شهد عرساً إيمانياً لم يشهده من قبل، ولن يشهده من بعد رسول الله وحبيبه صلى الله عليه وسلم على جلالة قدره و الوحي بين يديه من فوقه وامامه والصحابة من حوله يحفون به من كل جانب أصواتهم ملئت الافق بالتلبية لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة، لك والملك، لا شريك لك ليسوا بحاجة للسلاح، ولا الدروع ، ولا لفئة تحرس، ولا بين يدينا حرس، ولا من يشق لنا الطريق، الجزيرة العربية كلها تدين بالتوحيد تدين بدين الله عزوجل، ففي كل متر مشاه النبي صلى الله عليه وسلم على الارض درس في حجة الوداع، لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمون من جميع اقطار الجزيرة العربية أن يجتمعوا معه في المدينة للحج؟ليشهدوا هذه المسيرة وما فيها من دروس.