لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من خيبر ومعه امنا صفية، سمع بجمالها نساء الأنصار، فجئن ينظرن اليها وجائت معهن امنا عائشة وهي منتقبة تخفي وجهها تريد أن تراها، فعرفها النبي فخرج ورائها ثم أخذ بثوبها وقال لها: (كيف رأيتِ؟) قالت: رأيت يهودية بين يهوديات فقال لها النبي: (لا تقولي هذا، فقد أسلمت)،
وكذلك في حجة الوداع اخذ ازواجه معه جميعهن، فجاءته امنا صفية وقالت: يا رسول الله برك جملي فلم يقم، فعالجه النبي فلم يقم، فنظر لازواجه، وكان مع امنا زينب اكثر من جمل فقال: (يا زينب افقري أختك جملاً حتى نعود)، فغلبتها نفسها فردت في ترفع: أنا أعطي يهوديتك هذه، فغضب النبي غضبا شديدا، وصاح بها وقال: (مه بئس ما قلتي يا زينب) فهجرها مع انها اقرب نسب منه، وزوجه الله أياها، وكانت تفخر عليهن وتقول: ما منكن امرأة إلا زوجها أبوها او اخوها، إلا انا زوجني الله من فوق سبع سماوات، هذه زينب يغضب عليها النبي، ويهجرها، ويقاطعها، ولا يقسم لها بالمبيت، ولا يكلمها وتركها لا يتحدث اليها، طوال ايام حجة الوداع، حتى عاد الى المدينة، الى ان مرض،
وثقل عليه المرض وعلم انه مقبوض فذهب لحجرتها، وكانت عندما هجرها قد طوت فراش النبي ونامت على الارض، فقام وجاء متعب صلى الله عليه وسلم وقد اثقله المرض وكان يتكأ على علي والعباس، لما رأته فرحت ولم تسعها الارض من فرحتها فقامت تستقبله فجاء بنفسه للفراش وفرشه ونام تلك الليلة عندها، ولولا انه لم يفعل ذلك ما كان كلمها احد بعد موته، من اجل امنا صفية المؤمنة الصادقة، امنت بالنبي لسماع والدها وعمه، ومن مواقف النبي معها كانت ازواج النبي فريقان، عائشة وحفصة وسودة فريق مع بعض وباقي زوجات النبي فريق، فحاولت السيدة صفية التقرب لضرائرها، ولكن كانت كثيرا ما توجه اليها الإهانات والسهام الجارحة، بأصلها اليهودي، وكان صلى الله عليه وسلم يدافع عنها ويقف الى جوارها،
واشتكت اليه وهي تبكي أن عائشة وحفصة تكلمتا وقالتا: نحن أكرم على رسول الله منك فنحن بنات عمه وكذا وكذا، فمسح النبي صلى الله عليه وسلم دموعها بيده الشريفة وقال لها: (ألا قلت؛ وكيف تكونان خيراً مني، وزوجي محمد، وأبي هارون، وعمي موسى) عليهم الصلاة والسلام،
واستمر دفاعه حتى آخر أيامه، وقبل وفاته بيوم واحد، وقد اجتمعت أمهات المؤمنين حول فراشه صلى الله عليه وسلم فكانت اقرب ازواجه اليه امنا صفية، فلما رأت النبي تأخذه الغيبوبة ثم يفيق شفقت عليه وقالت: اني والله يا نبي الله، ليت الذي بك بي يا رسول الله، واني أعلم ان الموت حق ولكن لا اطيق ان أراك تغيب ثم تفيق، فتغامزت عائشة وحفصة بالنظرات، تقول امنا عائشة: فما راعنا إلا أفاق رسول الله من غيبته وهو يقول: (قمنَّ فمضمضنَّ افواهكن)، فقلن في دهشة: من أي شيء؟ فقال: (من تغامزكن بصفية والذي نفس محمداً بيده، لقد أسلمت فحسن إسلامها، وآمنت فكمل أيمانها).
فزرع لنا النبي هذه المعاني والدروس في قصة امنا صفية وهي دروس مهم للمسلمين،
رضي الله عنهن جميعا وارضاهن.