مر بمعسكر المسلمين معبد الخزاعي ابن أم معبد، فقال: يا محمد، لقد عز علينا والله ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله أعلى كعبك، وأن المصيبة كانت بغيرك، فوالله لا أدري ما أقول فهل من خدمة نؤديها لك؟ فقال النبي: (إن رأيت قريش في طريقك فأخبرهم)،
ومضى حتى وصل الى جيش قريش في الروحاء، على بعد (٤٧ كم) من جيش المسلمين، وقد استعدوا للعودة لمهاجمة المدينة، فأستقبله ابو سفيان فقال: هذا معبد وعنده الخبر، ما وراءك يا معبد؟
قال: ورائي ما يسوؤك قال: ويحك ماذا تعني؟ فقال: تركت محمداً وأصحابه قد خرجوا لطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقا، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه بالأمس من الأوس والخزرج، وغضبوا لقومهم غضبا شديدا، وندموا على ما فعلوا، فيهم من الحنق شيء لم أر مثله قط
قال أبو سفيان: ويلك ما تقول؟ والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم
قال: لا تفعل فإني ناصح، ومما خلع قلبي نظمت لهم شعراً قال: أسمعني؟
فقال: (كادت تهد من الأصوات راحلتي// إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل
تردى بأسدٍ كرام لا تنابلةٍ//عند اللقاء ولا ميل معازيل
فظُلت عدواً أظن الأرض مائلةً // لما سموا برئيس غير مخذول
فقلت: ويل أبن حربٍ من لقائكمُ // إذا تغطمطت البطحاء بالجيل
إني نذير لأهل البسل ضاحية // لكل ذي إربة منهم ومعقولِ
من جيش أحمد لا وخش تنابلة // وليس يوصف ما أنذرت بالقيل).
ففزع ابو سفيان وارتجف قلبه قال: ويلك اين هم الآن؟ قال: والله ما أرى أن ترحل حتى ترى نواصي خيلهم قد أقبلت،
فخارت عزائم قريش وقرروا العودة سريعا، فهربوا، فمر بهم ركب من قبيلة عبد القيس فقال: هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبا إذا أتيتم إلى مكة؟ فأبلغوا محمداً إنا قد أجمعنا الكرة، لنستأصله ونستأصل أصحابه،
فلما مر ركبهم بالنبي أخبروه بالرسالة، فزادهم ايمانا وثباتا وتوكلًا على الله، فقال النبي: حسبنا الله ونعم الوكيل فقال الصحابة: حسبنا الله ونعم الوكيل فامتدحهم الله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}،
وقد هرب ابو سفيان مع قريش وتركوا عزة الشاعر نائم تحت شجرة كان من أسرى بدر وتحرر بعهد مع النبي، فنقض العهد وخرج مع قريش لأحد، وصار يستنفر الناس ويحرضهم على القتال بشعره،
فظفر النبي صلى الله عليه وسلم، بعزة الشاعر قال: يا محمد أقلني وامنن علي ودعني لبناتي، وأعطيك عهدا أن لا أعود لمثل ما فعلت، فقال: (لا والله لا تمسح عارضيك بمكة، تقول خدعت محمدا مرتين لا يلدغ المؤمن من حجر مرتين)،
فأمر النبي بضرب عنقه، بقي المسلمون في حمراء الأسد ثلاثة أيام ثم عادوا الى المدينة، وقد حققت هذه الغزوة كل أهدافها التي ارادها الرسول صلى الله عليه وسلم.