وفاته صلى الله عليه وسلم

حتى إذا طلعت الشمس، بعد صلاة الفحر، اشتدت حرارته وجعل يدخل يده في اناء من جلد به ماء، ويمسح بها وجهه وهو يقول: (لا إله إلا الله، إن للموت سكرات، اللهم أعني على سكرات الموت). قالت امنا عائشة: جلس صلى الله عليه وسلم على فراشه ورفع رأسه، فأتيت وأسندت ظهره الى صدري، فوضع رأسه بين سحري ونحري، وأشرق وجهه كأنه البدر، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر ليرى النبي وفي يده سواك لين أخضر، فظل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر الى السواك ولا يستطيع ان يطلبه من شدة مرضه، فقلت: يا رسول الله بأبي وامي أنت، آخذ لك السواك، فأشار برأسه أن نعم، فأخذته وقرضت الجزء المستعمل منه، ثم لينته بالماء حتى طاب ثم دفعته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستاك به جيداً كأشد ما يستاك قبل، ذلك حتى إذا قضى رغبته منه ألقى به بيده على صدره، فأخذته فتسوكت به فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم في حياته صلى الله عليه وسلم، ألا والذي بعثه بالحق لقد مضت أيام بعد وفاته، ما أكلت طعاماً، ولا شربت شراباً، مهما كان طعمه أو ريحه، إلا وبقي طعم ريق رسول الله في فمي، يغلب كل طعمٍ وكل ريحٍ، ثم رفع بصره الى سقف الحجرة، وكأنه يرى مقعده من الجنة، ويعرض عليه التخيير بين الموت وبين البقاء في الدنيا، لأن عموم المؤمنين يرون مقاعدهم من الجنة في قبورهم بعد موتهم، ولكن الأنبياء يبشرون بذلك في دنياهم قبل موتهم، قل النبي صلى الله عليه وسلم: (إنه لم يقبض نبي حتى يرى مقعده من الجنة ثم يُخيَّر)، قالت امنا عائشة: ورفع النبي صلى الله عليه وسلم سبابته وسمعته يتمتم بكلامات، لم افهمها فقربت أذني إليه وأصغيت له فإذا هو يقول:(مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفرلي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى)، ويكررها فعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به، إذن لا يختارنا، وعلمت أنه يكلم جبريل وانه يخير، فقلت: بأبي وامي انت يارسول الله، لقد اخترت الله علينا فما زال يرفع اصبعه وهو يقول: في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى، واشتدت عليه سكرات الموت، و بدء النزع، وحشرج صدره صلى الله عليه وسلم، ثم أرتخت يده الى جانبه وأخذ يثقل جسده في حجري، فظننت أنه قد أغمي عليه كما في السابق، فوضعت رأسه على الوسادة وخرجت اخبر الناس أن رسول الله قد عاوده المرض، فكان أقرب الناس إليه علي بن ابي طالب فدخل ونظر في وجهه ثم جهش علي بالبكاء وقال بأعلى صوته: بأبي وامي لقد قبض النبي لقد قبض النبي، فارتفع اصوات ازواجه بالبكاء، وتسرب هذا الخبر الفادح الى المدينة بسرعة مذهلة فكان الصحابة في حالٍ لا يعلمه إلا الله، في دهشة عظيمة لا يعلمها إلا الحي القيوم وقفوا في دهشة وحيرة وهم بين مصدقٍ ومكذب وضجت المدينة كلها بالاصوات والبكاء كأنه ضجيج الحجيج في منىً، ورفع عمر بن الخطاب سيفه وهو يقول: والله ما مات رسول الله، لقد ذهب إلى لقاء ربه كما ذهب موسى إلى لقاء الله، وغاب عن قومه أربعين يوماً وعاد مرة ثانية، ورسول الله ما مات وسيعود، وأذهل جميع الصحابة فأنطلق رجل في طلب ابي بكر فوجده على راحلته قريب من مزرعته، فقال له: يا ابا بكر، ارجع فقد قبض رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

🌾
🍐
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *