كان هنالك تسعة من الصحابة حول النبي يدافعون عنه، استشهدوا جميعاً إلا طلحة بن عبيد الله وسعد بن ابي وقاص،
فلما رأت ذلك أم عمارة رضي الله عنها، وقد خرجت لتسقي الجيش وتساعد الجرحى، هجوم قريش، وهو يدافع عن نفسه، حملت السيف وأخذت تقاتل حتى أصيبة بجروح، قال النبي: (ما التفت يميناً ولا شمالاً يوم أحد إلا ورأيتها تقاتل دوني)،
أقبل ابن قمئة وهو يقول: دلوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فوقفت في وجهه بسيفها، وضربته عدة ضربات، فنجى من ضرباتها بدرعيه، ثم ضربها هو ضربة أصابت كتفها فأزاله عن موضعه، وأصبح مكانه تجويف وما زال يرى حتى ماتت،
وفي أثناء القتال تعثر الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الحفر، وأصيبت ركبته، ثم اشتد عليه الهجوم، وأخذ المشركون يلقون عليه الحجارة، فكسرت رباعيته وأصيب في شفته السفلى، وجبهته، فسالت الدماء منه، وجاءه فارس عنيد فضربه على عاتقه ضربة قوية، اشتكى منها شهرا أو أكثر، وضربه بأخرى على وجنته، حتى دخلت حلقتان من المغفر فيها وسالت منها الدماء، وكانت السهام لتأتي وتسقط بجانب النبي والله يمنعه منها،
فأقبل أبو دجانة رضي الله عنه وقد سقط ترسه، وليس معه الا السيف الذي أخذه قد انحنى، يبحث عن النبي، فلما اقترب كانت نسيبة أم عمارة تدافع عنه ويدافع عن نفسه، فقال: بأبي وامي يا رسول الله هذا هو السيف هل قد وفيته حقه؟ قال له النبي: (نعم) فألقاه من يده وقال: هل يوجد ترس نترس به رسول الله، فقال له النبي: (لا ترس)، فاحتضنه وأعطى ظهره لقريش واحاط بالنبي ونظر في عيني النبي وقال: ظهري اليوم لك ترس يا رسول الله بأبي انت وامي يا رسول الله، لا أراك تنزف وفيي عين تطرف، وأخذت السهام تسقط في ظهره وهو لا يتحرك ويقول: آه ما أطيبها فيك يا رسول الله، والنبي يقول له: (ارفق بنفسك ابو دجانة) ويقول: لا والذي بعثك بالحق، لا أراك تنزف وعيني تطرف، حتى فقد وعيه ووقع في حجر النبي،
فأقبل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله هل من قوس أرمي به؟ فقال له النبي: (هذه قوسي ولكن قد تقطع وترها فأشددها) اخذه وقال: بأبي وامي يارسول الله، إنها تقصر قال له: (يا سعد مدها بسم الله)، قال سعد: بسم الله، والذي بعثه بالحق نبياً، لقد طالت وطويت منها طويتن على القوس، وأخذ يرمي حتى نفذت سهامه، فأعطاه النبي بعض السهام ثم وقف النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل ذقنه على كتف سعد ويقول: (أرمِ سعد فداك أبي وأمي)، ووضع بعض الصحابة السهام امام سعد، حتى رمى ألف سهم، فلما انتهت اعطاه النبي سهماً مكسور طرفه وله ريش فرمى به، قال سعد: واذا بالنبي يناولني ويقول لي: (أرمِ سعد) فنظرت الى السهم فإذا هو السهم الذي رميت به الآن فرميت، ثم قال النبي: (خذ يا سعد فأرمي) فإذا هو السهم نفسه، فوالذي بعثه بالحق لقد رميت بذلك السهم إما ثماني او تسع مرات والنبي يرده علي، فقلت: بأبي وامي يا رسول الله، والله إنه السهم الذي ارمي به لا أنكره فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (غفر الله لك يا سعد لو انك سكت لناولتك أياه سائر اليوم).
وأقبل طلحة يقاتل عن النبي وكان عمر طلحة ثمانية وعشرين وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، حتى جرح تسعة وثلاثين جرحا، وكاد أن يصيب أحد السهام الرسول، فصده بيده، وشلت، وظل هكذا يقاتل حتى سقط مغشياً عليه.