قام باذان عامل كسرى على اليمن بتنفيذ أمره وأرسل جنديين للقبض على النبي، وفي الطريق مروا بالطائف، وعلم أهلها ان كسرى يطلب محمد ففرحوا واستبشروا وقال بعضهم لبعض: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك، وكفيتم الرجل، ورجع رسول رسول الله الى المدينة واخبر النبي صلى الله عليه وسلم، بما حدث، فسخر النبي وضحك وقال: (مزق الله ملكه)، ووصل الجنديين الى المدينة المنورة، وكان قد حلقا شعر رأسيهما ولحيتيهما وبقي شاربيهما طويل، فلما رآهما النبي اشاح بوجهه عنهما، قال: (من أمركم بتغير خلق الله؟) قالا: ربنا، وابلغا النبي بما قال كسرى، وقالا: وإن أبيت فهو من قد علمت، فهو مهلكك ومهلك قومك ومخرب بلادك، وكان الوقت ليلا، قال لهما النبي: (اذهبا الآن وأتياني غداً) فلما دخلا عليه قال لهما النبي: (ادعوكما الى الله ان تسلمان وتؤمنان بالله وأني محمد رسول الله)، فأرتعدت فرائصهما من هذه الكلمات، ووقفا ولم يجيبا بشيء، وقالا: إنما نحن رسل نبلغ، فقال لهما: (ارجعا الى صاحبكما في اليمن، واخبراه إِنَّ ربي قتل ربَّه هذه الليلة بعد منتصف الليل، وإن ابنه شيرويه هو الذي قتله)، ففزعا وقالا له: هل تدري ما تقول؟ إنا قد نقمنا عليك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب عنك هذا، ونخبر الملك باذان؟ فقال النبي في كل هدوء وثقة: (نعم أخبراه ذاك عني وقولا لباذان؛ إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ كسرى وينتهي الى الخف والكراع، وإن أسلمت أعطيتك ما تحت يديك، وملكتك على قومك) فلما انطلقا وفي الطريق قال احدهما للآخر : إن صدق فهو حقاً رسول من عند الله، وصل الجنديان الى باذان، واخبراه برسالة النبي؛ وإن للرجل هيبة لا يجرء احد أن يدنو منه اذا حدثنا ترتعد فرائصنا وقد اخبرنا أن ربه قد قتل ربنا، وأن ابنه شيرويه قد اعتدى عليه فقتله، وان ابنه قد انتزع الملك منه، قال باذان: إن كان نبيا حقا فسيكون ما قال، ننظر فإن صحت اخباره آمنا به واتبعناه وما لبث ايام حتى جاءه خطاب من شيرويه ابن كسرى الى باذان يقول فيه: إنه قد قتل أباه أبرويز، لأنه قد قتل الكثير من أشراف فارس، ويطلب منه بيعة أهل اليمن، فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك، وانظر الرجل الذي كان كسرى يكتب إليك فيه فلا تزعجه حتى يأتيك أمري وعلم باذان الليلة التي قتل فيها أبرويز فوجد أنها هي نفس الليلة التى أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم، فأيقن أنه رسول، وأن الذي أخبره هو وحي من عند الله تعالى لأن المسافة بين المدينة والمدائن هائلة وبعيدة ومستحيل على أهل هذا الزمن بأي صورة من الصور أن يعرفوا الأحداث التي تحدث في بلد آخر إلا بمعجزة خارقة، وهنا أخذ باذان قرار الإسلام فورا فأسلم، وأسلم أبناؤه، وأسلم كل من في اليمن من الفرس تقريبا وأسلم الرسولان اللذان بعثهما باذان إلى رسول الله، ثم أسلم بعد ذلك كثير من أهل اليمن، وكان اسلام اليمن اضافة كبيرة جدا لقوة المسلمين، أما كسرى فارس الجديد فلم يفكر في الإسلام وظلت العلاقات بين الدولة الاسلامية والفارسية متجمدة الى أن بدأت المواجهات في عهد الصديق رضي الله عنه.