جمعهم وصارحهم صلى الله عليه وسلم بالخبر وقال:
(أشيروا علي أيها الناس) فقال بعضهم: لا والله مالنا طاقة بقتال العدو، ولكن أردنا العير،
وقال آخرون: لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم، فظهرت الكراهة في وجه النبي وقال:
(ما ترون في قتال القوم؟ أشيروا علي أيها الناس)، فقام أبو بكر فقال خيراً، فأثنى عليه النبي بخير، ثم قام عمر، فقال خيراً فأثنى عليه النبي بخير ثم قال:
(أشيروا علي أيها الناس) ثم قام المقداد بن الأسود وقال: يا رسول الله امضِ لما أُمرتَ به فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى ولكن نقول: اذهب أَنت وربك فقاتلا إِنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق نبيا، لنقاتل عن يمينك وعن شمالك وبين يديك ومن خلفك حتى لو وصلت بنا إلى برك الغماد فأثنى عليه النبي ودعى له بخير،
ثم قال صلى الله عليه وسلم: (أشيروا علي أيها الناس)، ففطن لذلك الصحابي الجليل سيد الأنصار سعد بن معاذ، فوثب قائماً وقال: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله قال: (أجل) فقال سعد بعد أن حمد الله: يا رسول الله لقد آمنا بك، وصدقناك وشهدنا أنما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، وإنك خرجت تريد أمراً، ولعل الله أراد غيره، أمضي يارسول الله، لما أراك الله، فوالله ما نكره بأن تلاقي بنا عدونا غداً، ولو إستعرضت بنا هذا البحر وخضته لخضناه معك، صِل حِبال مَن شئت، اقطع حبال من شئت، سالِم مَن شئت، عاد من شئت، خُذ مِن أموالنا ما شئت، فو الذي بعثك بالحق للّذي تأخذه من أموالنا أحب إلينا من الذي تدعُهُ لنا، وإنا لصبر بالحرب صدق عند اللقاء، ولعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك، وما تخلف رجل منا عنك قط، فامضِ بنا على بركة الله يا رسول الله.
قال الصحابة: فتهلل وجهُ النبي صلى الله عليه وسلم وأشرق وسرّ وقال: (أبشروا وسددوا وقاربوا، فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين، والله لكأني الآن أنظر الى مصارع القوم)،
ومضى صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم، ووصلوا الى بدر قبل قريش. وهذا الموقف يظهر مدى شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وحنكته السياسية لأسباب: لأن المسلمون في حاجة ماسة لتثبيت هيبتهم في الجزيرة، وكل الأنظار مركزة عليهم، وانسحابهم ستستغله قريش في الدعاية لنفسها ضد المسلمين، وسيضعف جدا من هيبتهم وسيجرىء القبائل على المسلمين، وربما انسحابهم يشجع قريش لتهاجمهم في عقر دارهم في المدينة.