وقف النبي وقال للناس: (اخرجوا لملاقاة اخوانكم)، فأخذ الناس يسألون هذا الصحابي عن تفاصيل المعركة، وكيف نجا المسلمون فلما سمع الصحابة ذلك غضبوا وقالوا: ألم تتبعوهم؟ قال: لا، لقد رأى خالد ان ننسحب خيراً لنا فقالوا: سترون منا اليوم، فخرج النبي بنفسه راكبا على دابة صغير، والصبية مسرعين يستقبلون آبائهم، فقال النبي: (اعطوني ابن جعفر) فأخذه ووضعه في حجره، وقال: (هنيئا لك، أبوك يطير مع الملائكة في السماء ودعا له: (اللهم بارك له في صفقة يمينه)، قال عبد الله فوالذي بعثه بالحق نبيا ما بعت شيئا ولا اشتريت شيئا إلا بورك لي فيه، فلما اقتربوا وإذا بأهل المدينة يحثونهم بالتراب ويقولون لهم: يا فرارون فررتم من سبيل الله؟ فوقف النبي ورفع كلتا يديه وقال: (لا تقولوا لأصحابي فرارون، ليسوا بالفرار ولكنهم الكرار إن شاء الله عزوجل، وإن خالداً قد تحيز إلي وأنا فئته)، ففهموا تماماً ما يقول النبي، قال تعالى:{أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ}، أي أن خالداً تحيز إلى النبي وهو فئته، وبقي الصغار الذين لا يدركون كلام النبي، كلما لقوا رجل ممن شهد مؤتة قالوا: انت من الفرار؟ فتأثر بهذا الكلام سلمة ابن ام سلمة، فهو حديث عهد بعرس فجلس في البيت ثلاثة أيام لا يأتي للمسجد، وافتقده النبي فقال لأم سلمة: (ما شأن سلمة؟ قالت: والذي بعثك بالحق لا أدري، سأسأل عروسه فأتتها وقالت: مابال سلمة لا يحضر الجماعة، فوجدته جالساً في زاوية البيت يبكي وقد تسلخت عيناه قالت: ما هذا يا بني قال: كلما أتيت المجلس قيل لي: انت من الفرار، فأصبحت لا اطيق ان أرى احد، فذكرت ذلك للنبي فقام على الفور وخطب في اصحابه، ونهى كبيراً وصغيراً ان يقول لأحد من جند مؤتة انت من الفرار، ثم ذهب بنفسه الى بيت سلمة واخذ بيده وأتى به الى المسجد،
قال خزيمة بن ثابت الانصاري رضي الله عنه: حين دارت المعركة كنت أرقب روميا من أمرائهم، على رأسه بيضة في وسطها ياقوته فجعلته هدفي، لعلِ أغنم هذه الياقوته، حتى قتله، ثم انتزع الياقوته من خوذته، فلما أتينا المدينة وضعتها بين يدي رسول الله وقلت: يا رسول الله انا قتلت ذلك الامير وهذا سلبه، فنفلنيها وفي عهد عثمان بن عفان بعتها بألف دينار واشتريت بها بستان من نخيل. وقال عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه: خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، ومعي مددي -أي حبل- وسيفي ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس عليه سرج مذهب، وسلاح مذهب فجعل الرومي يغري بالمسلمين فجعلت مددي كفخ خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر الرومي على الارض، وعلته وقتلته وحز فرسه وسلاحه.