خرجت زينب من صفة النساء، وهم في صلاة الفجر وقالت:
أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه،
فلما سلم النبي، التفت إلى الناس وقال: (هل سمعتم ما سمعت؟)
قالوا: نعم يا رسول الله، فقال: (أما والذى نفس محمد بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتم)،
وصمت فجاءت إليه زينب وقالت: يا رسول الله إن أبا العاص، إن بعُد فابن الخالة وإن قرُب فأبو الولد وقد أجرته يا رسول الله،
فقال النبي: (يا أيها الناس إن هذا الرجل ما ذممته صهرا، وإن هذا الرجل حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي، فإن قبلتم أن تردوا إليه ماله، وأن تتركوه يعود إلى بلده، فهذا أحب إلي. وإن أبيتم فالأمر إليكم، والحق لكم ولا ألومكم عليه).
فقال الناس: بل نعطه ماله يا رسول الله، فقال النبي: (قد أجرنا من أجرتِ يا زينب)
ثم ذهب إليها وقال لها: (يا زينب أكرمي مثواه فإنه ابن خالتك وإنه أبو العيال، ولكن لا يقربنك، فإنه لا يحل لك)
فقالت: نعم يا رسول الله. فلما ذهب لمكة وقف أمام الكعبة، يوزع أموال التجارة على أصحابها. وبعد أن فرغ
قال: يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ فقالوا: لا. فقد وجدناك وفيا كريما،
قال: إذن فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ثم رجع ودخل المدينة فجرا وتوجه إلى النبي
وقال: يا رسول الله أجرتني بالأمس واليوم جئت أقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قال: يا رسول الله هل تأذن لي أن أراجع زينب؟ فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (تعال معي). وقال: (يا زينب إن ابن خالتك جاء لي اليوم يستأذنني أن يراجعك فهل تقبلين؟) فأحمرّ وجهها وابتسمت رضي الله عنهما.
توفي ابنهم علي وهو صغير أما أمامة عاشت إلى خلافة معاوية رضي الله عنهما. كان النبي يحبها ويعطف عليها ويحملها أثناء الصلاة، واهدي إليه قلادة من خرز ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات، وامامة تلعب والرسول الله ينظر إليها بحب وحنان، فأبتسم وقال: (كيف ترينَ هذه؟) فقلن: يا رسول الله ما رأينا أحسن من هذه ولا أعجب، فقال: (ارددنها إلي) فلما وضعها في حِجره
قال: (والله لأضعنّ هذه القلادة في رقبة أحب أهل البيت إلي)
تقول امنا عائشة: فأظلمت عليّ الأرض بيني وبينه خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا قد أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعا، ثم قام بوضعها في رقبة أمامة، فسُرِّيَ عنّا،
ماتت زينب رضي الله عنها، فبكاها زوجها بكاء شديدا، ورغم حزن النبي صلى الله عليه وسلم على فراق بنته، اخذ يهون على ابو العاص حزنه ويمسح بيده الشريفة عليه، لأنه فجع بها لشدة محبته لها، ويقول والله يا رسول الله ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب،
فمات بعد سنه من موت زينب لم يتحمل فراقها.