ثم إستأذن أسيد بن حضير، وذهب مسرعاً وهو يتمنى لو أن سعداً هو الذي أسلم،فنظر إليه سعدٌ من بعيد وقال لمن عنده: أقسم لكم لقد عاد بغير الوجه الذي ذهب به، فقال: يا أسيد ما الخبر؟ قال: يا سيد قومه لا بأس عند القوم، وقد نهيتهم وقد وعداني أن يمتنعوا عما تكره، فلم يعجبه هذا الكلام، وقام من مكانه مغضباً وقال: ما كفيتني، فأخذ الحربة ومضى ولحقه أسيد، لأنه علم أن سعداً ذهب لقتالٍ وشرٍ، فقال أسعد: يا مصعب جاءك سيد قومه، والله لإن آمن سيسلم الأوس كلهم، يا مصعب أصدق الله فيه، فتوجه مصعب بقلبه إلى الله بالدعاء، فلما وصل قال: ما شأنكما؟ ألم أرسل إليكما نذيراً؟ فإبتسم مصعب رضي الله عنه وقال: يا سيد قومه ألا تجلس وتسمع، إن سمعت شيئاً يرضيك هو ذاك، وإن سمعت ما تكره كففنا عنك ما تكره قال: قد أنصفت وزدت في الانصاف قال: هاتِ ما عندك، فقرأ عليه من القرآن، وكان مصعبٌ حسن الصوت بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ { حم ، وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} الى {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ} فلما إنتهى دعاه إلى هذا الدين، فلما سمع سعدٌ كلام الله،قال: ماذا يصنع الذي يريد أن يدخل هذا الدين؟ فعلمه مصعب، فإغتسل ولبس ثياباً نظيفةً، ونطق الشهادتين وصلى ركعتين، ثم قال: ما واجب من يدخل هذا الدين؟ قال: أن يدعوا غيره إليه، فقام سعد بن معاذ وذهب الى قومه، فلما رأوه من بعيد قادم قالوا جميعاً: واللات لقد عاد إليكم سعد بن معاذ بوجهٍ غير الذي ذهب به، فوقف سعد بن معاذ وقال: يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وإبن سيدنا، وأعقلنا وأحكمنا إذا أمرت فأمرك مطاع، فقال: فإن كلامكم علي حرام، رجالكم ونسائكم حتى تؤمنوا بالله ورسوله، فدخل بنو عبد الأشهل كلهم في ليلة واحدة في دين الله، وقام سعد وأسيد إبن عمه يكسران الأصنام.