من الذين وقعوا في الأسر يوم حنين الشيماء أخت النبي من الرضاعة، وكانت تشترك مع أمها في رعاية النبي وتلاعبه وتعتني به، فكانت تقول: إني أخت صاحبكم من الرضاعة، وجائوا بها الى النبي فقالت: يا رسول الله أتعرفني؟ قال لها: (ما أنكرك فمن أنت؟)، قالت: إني لأختك من الرضاعة، قال: (إن تكوني صادقة فإن بك منّي أثرا لن يبلى)، فكشفت عن عضدها ثم قالت: نعم يا رسول الله، حملتك وأنت صغير فعضضتني هذه العضة، عرفها وقام لها قائما ورحب بها، وبسط لها ردائه وأجلسها، وذرفت عيناه بالدموع، ثم قال: (إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك)، فأعطاها مالا وغلاما وجارية، ولما توفي النبي ارتد قومها بنو سعد فكانت الشيماء ممن ثبتوا وأخذت تنشد الشعر تدافع فيه عن الإسلام، وعرفت بكثرة العبادة رضي الله عنها، جاء وفد من هوزان وعدد من اشرافهم، فأسلموا ثم كلموا النبي في الغنائم، قالوا: يا رسول الله، إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات، وحواضنك اللاتي كن يكفلنك وانت خير مكفول، ونرغب الى الله وإليك يا رسول الله، فقال لهم: (قد كنت استأنيت بكم بضع عشرة ليلة، وقد وقعت المقاسم مواقع فأي الأمرين أحب إليكم، أطلب لكم السبي أم الأموال؟)، قالوا: يا رسول الله فالحسب أحب إلينا ، ولا نتكلم في شاة ولا بعير، فقال: (أما الذي لبني هاشم فهو لكم، وسوف أكلم لكم المسلمين وأشفع لكم، فكلموهم انتم وأظهروا إسلامكم وقولوا: نحن إخوانكن في الدين)،
فلما صلى النبي الظهر استأذنوه في الكلام، فأذن لهم، فتكلم خطبائهم ، وطلبوا رد سبيهم، فلما فرغوا، قال: (قد رددت الذي لبني هاشم، والذي بيدي عليهم، فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل، ومن كره أن يعطي ويأخذ الفداء فعليَّ فداؤهم)، فأعطوا ما بأيديهم، وطلب القليل الفداء. وكان قد فر مالك بن عوف الى ثقيف، فكان مثل اللاجىء عند قبيلة أخرى، وكان منبوذا لأنه المسئول عن مصيبة وفضيحة هوازن وفقد ابناؤه وامواله، وبينما هو في هذه الحال المؤسف المخزية، لقد سأل النبي عنه، فقيل له: إنه في الطائف يخشى على نفسه، فقال النبي: (أخبروا مالك إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله)، فأسرع وجاء وأسلم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فرد عليه أهله وماله، ثم أعطاه النبي فوق ذلك مائة من الإبل، وأعاده زعيما على من أسلم من قبائل هوازن، أراد النبي أن يوظف امكانات مالك بن عوف القيادية لمصلحة الدولة الإسلامية، فكلفة بمهمة الإغارة على الطائف وهي اشبه بحروب الإستنزاف الآن، حتى أسلمت ثقيف بعد ذلك.