توبة الله على الثلاثة الذين تخلفوا عن تبوك: كان النبي يصلي قيام الليل، قالت ام سلمة: فركع وسجد ثم جلس وأطال جلوسه حتى إذا سلم عن يمينه وإذا وجهه يبرق كأنه البدر ليلة التمام، فسلم عن شماله ثم ألتفت إلي مبتسماً ضاحكاً مستبشراً وهو يقول: (بشرى أم سلمة لقد تاب الله على كعب وصاحبيه)، فوثبت وأخذت خماري ثم تداركت وقلت: بأبي وامي يارسول الله اتأذن لي أن أنطلق وأبشر كعب، فقال لي متلطفاً: (يا ام سلمة إذن يحطمكم الناس، ويمنعوكم من النوم حتى الصبح انتظري بعد صلاة الفجر)، وخرج الى صلاة الفجر، فأقام الصلاة بلال، ثم صلى الفجر بالناس ثم استقبل وجوه أصحابه، وكنت انا في مصلى النساء ورآئهم، فأستقبلنا صلى الله عليه وسلم وتلى الآيات في التوبة التي نزلت على كعب وهلال ومرارة وأعلن ان الله قد تاب على كعب وصاحبيه، فوثب شيخ الصحابة ووثب عمر وانطلقا يتسابقان أيهما يبشر كعب، قال ابو بكر: فأدركت أن عمر سيسبقني فقد كان أخف مني واسرع فصعدت على تل في جوار المسجد وصحت بأعلى صوتي يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك، يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك، -كررها- قال كعب: فبينما أنا جالس على سطح داري، وقد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوت صارخ يصيح ويقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك أبشر فقد تاب الله عليك وأيقنت أنه ابو بكر، نظرت فإذا عمر يجري إلي مسرعاً وعانقني وهو يبكي ويقول: ابشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ ولدتك أمك لقد تاب الله عليك وهذا رسول بين اصحابه في المسجد ينتظرونك، فلم أتمالك نفسي فخررت ساجدا لله ثم قلت في نفسي البشرى لمن سبق إلي صوته فالبشرى لأبي بكر ووالله الذي لا إله إلا هو لم اكن املك في ذلك اليوم شيء لأني تصدقت بكل ما أملك وكنت لا أملك الا ثوبان فقلت: هما لأبي بكر، واستعرت ثوبين فلبستهما، فأقبل الناس يبشروننا انا وصاحبي، فأنطلقت الى المسجد واخذ يتلقاني الناس فوجا فوجا، يهنئونني بالتوبة، هنيئاً يا كعب توبة الله عليك ويصافحوني ويعانقوني حتى دخلت المسجد امشي الهوينة حتى وقع نظري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينظر إلي وقد اشرق وجهه فقال: (ابشر يا كعب ورفع يده اليمنى، ابشر يا كعب بخير يوم يمر عليك منذ أن ولدتك امك)، فقلت: أمن عندك يارسول الله، أم من عند الله؟ قال: (بل من عند الله)، فأكببت أقبل رأسه ويديه، ثم جلست وتلى علينا الآيات، قال تعالى: {لَقَد تَّابَ اللَّه عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ، وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}، معنى خُلفوا أي تأجل الحكم عليهم، حتى يحكم الله فيهم من بين الذين تخلفوا جميعاً، لأن اولئك منافقين فقُبلوا على علاتهم، وهؤلاء مؤمنون صادقون خُلفَّ أمرهم وتأجل حتى يحكم الله فيهم، اي هؤلاء الثلاثة تأجل الحكم فيهم وهم حالة خاصة، قال كعب: ثم جدد لنا رسول الله البيعة واستغفر لنا، فقلت: بأبي وامي انت يا رسول الله، إن من توبتي لله وعهد علي ان اخرج من مالي كله لله، فتقبل مني مالي صدقة يا رسول الله، فقال: (لا يا كعب احفظ عليك بعض مالك)، فقلت: اتصدق بنصفه، قال: (لا)، قلت: ثلثه، قال: (ثلثه والثلث كثير)، فجئت بثلث مالي وجاء هلال بثلث ماله وجاء مرارة بثلث ماله وجعلناه صدقة بين يدي رسول الله يتصرف بها كيف يشاء واثنى الله على ذلك بنص قرآني قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يقول كعب: ومضى سائر اليوم نستقبل المهنئين ونحن نفرح بهذه التوبة، فقلت على ملأ من الصحابة: يا رسول إن عهد الله علي بأن لا اتكلم بعد اليوم إلا صدقاً، فكان يعرف كعب بأنه الصادق والصديق.