حمل حمزة عبيدة جريحاً، الى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه افرشه قدمه فنظر عبيدة لوجه النبي وذرفت عيناه بالدموع
وقال: يارسول الله ما بكيت جزعاً من الموت، واني لأعلم انها الشهادة، ولكن تذكرت ابا طالب وقصيدته يوم الشعب اذا قال:
(كذبتم وبيت الله نبزي محمدا // ولما نقاتل دونه ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله // ونذهل عن أبنائنا والحلائل)
وددت يا رسول الله، لو أن ابا طالب حي ليرى أني أحق منه بقوله هذا فلا والله لا يصلوا اليك، وفينا عين تطرف،
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أشهد أنك شهيد)،
ورجع الرسول ساجداً يقول: (يا حي يا قيوم) ويدعو الله حتى جاء علي وقال: يارسول الله لقد اكتنفنا القوم
فوقف ينظر فاذا بجبريل على راس الملائكة فقال لاصحابه: (قوموا الى جنة عرضها السموات والارض، فوالذي نفسي بيده، لا يقاتلنهم اليوم رجل فيقتل مقبل غير مدبر محتسباً، لله صابراً إلا أدخله الله الجنة)
فأخذ صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى وألقاها في اتجاه المشركين وهو يقول: (شاهت الوجوه)، للاخذ بالاسباب، فما من رجل من قريش الا قال: شعرت برمال تدخل في عيني قبل المعركة، واخذوا يفركون عيونهم، وقال من اسلم منهم بعد ذلك، انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتا كوقع الحصى في الطاس، فشعرنا ذلك في أفئدتنا ومن خلفنا وكان ذلك من أشد الرعب علينا.
قال تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
ثم صاح في المسلمين؛ (شدوا) فانطلق المسلمون كالسيل وهم يصيحون أَحَد أَحَد،
هجمت قريش وكان فرسان المسلمون في المقدمة، فلما اقترب جيش المشركين بفرسانهم، استقبلهم المسلمون بالسهام كما أمروا، ثم بالحراب، لارباك جيش قريش وكسر حماسهم في البداية، اصبح صليل السيوف في كل مكان، الغبار يغطي أرض المعركة
إحتدم القتال وتعانقت السيوف،
قال تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}، اولا معية الله، هو معهم بعلمه وارادته ونصرته وقدرته، هو الذي يدير المعركة سبحانه،
وكان النبي صلى الله عليه وسلم ليس مشرفا على المعركة فقط، يقول ابو بكر: فما راعني إلا والنبي يسل سيفه ويثب في درعه وهو يصيح ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}. والاية نزلت ونحن في مكة فوالذي بعثه بالحق ما علمت تؤيلها الا يوم بدر. وهكذا بدأت معركة بدر بهذا الحماس والأيمان المطلق بالله ، والتوكل عليه والاخذ بالاسباب.