سعى نفر من قريش الى رجال من قبيلتي عضل والقارة من هذيل،
قالوا: نعطيكم مبلغا مقابل أن تذهبوا لمحمد وتتظاهرون أنكم مسلمون، وتطلبون من محمد أن يرسل من يفقهكم في الدين ثم تحضروهم لنا. لأنكم متحالفون مع المسلمين، فلن يشك فيكم،
وانطلقوا فلما وصلوا، قالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاماً فابعث معنا نفراً من أصحابك، يفقهونا ويقرئونا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام، فقبل منهم ظاهر قولهم ولم يُطلعه الله على خديعتهم وأرسل معهم عشرة من أصحابه وجعل عاصم بن ثابت بن ابي الأقلح اميرهم، ولما أصبحوا قريباً من بئر الرجيع خرج إليهم ما يقرب من مئتي مقاتل من هذيل منهم مئة رامي، فأخذ الصحابة سيوفهم، وأخذوا يقاتلوهم حتى أحاطوا بهم في تل مرتفع، وعلموا انهم سيقتلون منهم مئة قبل أن يُقتلوا، حاولوا أن يغروهم بالإستسلام ، ووعدوهم بعدم قتلهم فقالوا: نحن نعطيكم عهداً وذمة لا نقتلكم، وإنما نريد أن نبيعكم لقريش عبيداً ونكسب المال، فرفض قائد السرية عاصم أن ينزل في ذمة كافر وقال: إني نذرت ألا أقبل جوار مشركٍ أبدا، لا والله لا انزل في ذمة مشرك ابدا ولا تمس يدي يد مشرك وأخذ هو وأصحابه يرمونهم بالسهام وأخذ المعتدين يرمونهم بالسهام وبالحجارة وبدأ يسقط من المسلمين قتلى، وفنيت سهام المسلمين، فأخذوا يقاتلونهم برماحهم وسيوفهم حتى تكسرت رماح المسلمين، هنا كسر عاصم غمد سيفه، فرفع طرفه للسماء وقال: اللهم أبلغ نبيك عنا السلام، وأبلغه ما نزل بنا من الذين غدروا، اللهم إني قد وفيت لك بعهدي ما دمت حياً، اللهم وفّي لي بعهدي معك بعد موتي، اللهم إني حميت دينك أول نهاري، فاحم لي لحمي آخره، وأخذ يقاتل حتى قتل، ولم يبق الا ثلاثة خبيب بن الدثنة، زيد بن الدثنة، عبدالله بن طارق رضي الله عنهم أجمعين ففاوضوهم على الإستسلام ووعدوهم بعدم قتلهم، فوافقوا على ذلك، وبمجرد أن استسلموا اليهم ربطوهم بأوتار اقواسهم، فقال عبد الله بن طارق: هذا أول الغدر ورفض أن يسير معهم، وأخذ يقاومهم وهم يجرجروه، فلما أجهدهم قتلوه وبقي خبيب، وزيد. فكان همهم أن يأخذوا رأس عاصم ففيه مكافأة مئة ناقة نذرا من سلافة لأنه قتل ابنيها في احد، فحاولوا قطع رأسه فأنزل الله مظلة من الدبر فأخذت تحوم على جثته، فما دنى احد منه، إلا لدغته لدغة مؤلمة فقالوا: دعوه الى الليل، ذهب عنه الدبر، فبعث الله تعالى غمامة فوقهم صبت ماءً غزيراً منهمراً حتى سالت سيلًا كبيرا فحمل جسده، فلم يتمكنوا من الراس ولا الجثة، وهذه كرامة من الله له.