قام عبدالله بن سلول بجمع الذين على شاكلته في فناء داره، فكانوا حوالي ثلاثمئة، وجلس يحدثهم قال: يغزو محمد بني الأصفر مع جهد الحال والحرّ والبلد البعيد يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب؟ والله لكأني أنظر إلى أصحابه مقرنين في الحبال ، ولا أرى محمد ينقلب الى المدينة ابدا، إن لنخشى الروم ونحن في ديارنا أنذهب الى ديارهم؟ هكذا يكون اسلوب المنافقين في الكلام تماما قلوبهم كقلب كبيرهم الذي ورثهم النفاق، فأخذوا يطلبون الإذن من النبي بعدم الخروج للقتال، ويتعللون بعلل واهية، مثلا الجد بن قيس منافق، وابنه عبدالله مؤمن صادق من الصحابة، جاء الجد الى النبي وقال: تأذن لي يا رسول الله هذه المرة ان اجلس في المدينة وان لا ارتحل؟ فقال له النبي وهو يبتسم: (إنك موسر يا جد فتجهز، تجهز في سبيل الله)، فقال: يا رسول الله إني ذو ضبعة وقومي يعلمون ذلك، واخاف ان افتن بالنساء وأخشى إن رأيت نساء بني الأصفر ألا أصبر عنهن فأُفتتن فتربد وجه النبي ثم اعرض عنه وهو مغضب وقال: (قد أذنت لك فلا تخرج)، فلما خرج، قام ابنه عبدالله وقال: يا ابتي لما تعتذر لرسول الله وقد اكد عليك وقال لك مرتين: تجهز تجهز؟ فكيف تخالف رسول الله وتعتذر له بما ليس فيك؟ فقال: يا بني أيحسب محمد ان قتال بني الاصفر معه اللعب ، لكأني انظر الى اصحابه مجدلين بالحبال، فقال ابنه مستغربا: ابتاه هذا شعار المنافقين، فصرخ وقال: اسكت يا ولد انا اعلم منك بالدوائر، فقال له ابنه: والله إن هذا لهو النفاق بعينه، فخلع نعله وضرب به وجه ابنه، وبقي الولد متأدب بتأدب القران الكريم، قال: إني والله لا ارد عليك بشيء ولكني ارجو ان ينزل الله بك قرآن يتلى الى قيام الساعة، فأنزل الله {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ}، قال له أبنه: ألم أقل لك؟ فقال له: اسكت يالكع، فوالله لأنت أشد عليّ من محمد، وكان المنافقون يحاولون تثبيط المسلمين عن النفقة ويقولوا عن المتصدق: ما فعل هذا الا رياء، وعندما يتصدق الفقراء يقولون: ان الله لغني عن هذه الصدقة،
وكانوا يتجمعوا في بيت اليهودي سويلم ويثبطون الناس عن الخروج والغزو ويتعللون بشدة العدو، والحر الشديد، ويقولون أن الوقت هو وقت جنى الثمار قال الله تعالى مخبرا عنهم {وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} بشرهم بنار جهنم فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من اصحابه، وأمره أن يحرق عليهم البيت.