خطبة النبي ووداعه للمسلمين

كانت بعد آخر صلاة صلاها مع اصحابه بإمامة أبي بكر، أشار إليهم أن يحملوه الى المنبر، ثم جلس على أول درجة من المنبر لأن رجليه صلى الله عليه وسلم لم تحملاه للصعود على المنبر والتف الصحابة شوقاً حوله وخطب فيهم: فحمد الله وأثتنى عليه، وصلى على نفسه، واستغفر لشهداء أحد ثم قال: (أيها الناس، إني بين أيديكم فرط، وأنا عليكم شهيد، وإن موعدكم الحوض وإني لأنظر إليه من مقامي هذا، أيها الناس إني لا أخشى أن تشركوا بعدي، ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوا فيها كما تنافس فيها من كان قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم، أيها الناس إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا، وبين ما عند الله فاختار ما عند الله)، فبكى أبو بكر وارتفع صوته بالبكاء، ورفع يديه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فديناك بآبائنا، فديناك بأمهاتنا، فديناك بأموالنا، فديناك بأنفسنا يا رسول الله، فضج الصحابة وتعجبوا من أبي بكر، لماذا يبكي، وضج المسجد بالكلام لماذا يبكي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (على رسلك يا أبا بكر)، ثم أخذ يدافع عنه ويبين فضله فقال: (أيها الناس، إن أمنّ الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كُنت مُتَّخذًا خليلًا من أُمَّتي لاتَّخذتُ أبا بكر ،ولكن أُخُوَّةُ الإِسـلام ومودته، وما منكم من أحد كان له عندنا يد إلا كافأناه بها، إلا الصديق فإنا قد تركنا مكافأته لله عز وجل، ألا كل خوخة في المسجد تسد إلا خوخة ابي بكر)، ثم قال: (يا أيها الناس بلغني أنكم تخافون من موت نبيكم، هل خلد نبي قبلي فيمن بُعث إليه؟ فأخلد فيكم، ألا إني لاحق بربي وإنكم لاحقون بي، ألا إنه يوشك لي خفقان من بين أظهركم، ألا وإني أحب أن ألقى الله وانا راضياً مرضياً، من كنت جلدت له ظهراً، هذا ظهر محمدٍ فليقم إليه ويستقد، ألا من كنت شتمت له عرضاً، هذا دونكم عرض محمد فليقم ويستقد، ألا وإن الشحناء ليس من طبعي، ومن لم يفعل فليحللني بينه وبين ربه، حتى ألقى الله وليس لأحد في ذمة محمد حق)، وسكت واخذ ينظر في وجهه أصحابه كالمودع، فدمعت عيناه وبكى، فأخذ أصحابه يبكون وتسيل الدموع على لحاهم، فقال لهم مودعاً: (حياكم الله، آواكم الله، نصركم الله، رزقكم الله، أيدكم الله، رحمكم الله، حفظكم الله، رزقكم الله، نفعكم الله، وقاكم الله)، ثم نظر لأصحابه وقال: (بلغوا كل من جاء بعدي من أمتي السلام فإني أسلم عليكم واسلم على كل مسلم جاء ودخل في ديني الى يوم القيامة)، ثم اشار بيده للصحابة أن يحملوه وعاد وهو يتكئ على العباس وعلى علي رضي الله عنهما فدخل بيت عائشة رضي الله عنها، والصحابة يبكون في المسجد. وها نحن نرد وعليك السلام ورحمة الله وبركاته يا سيدي يارسول الله جزاك الله عنا خير ما جزا نبيا عن امته، ونسأل الله أن يجمعنا بك في الجنة وأن يحشرنا تحت لواءك وعلى حوضك وأن يسقينا من يدك الكريمة شربةّ لا نظمأ بعدها، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد.

🌾
🍒
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *