جاء العباس عم النبي في اليوم الثالث من عمرة القضاء وحدثه عن اخت زوجته ام الفضل واسمها برة، قد اسلمت وزوجها بقي مشرك ومات على شركه، وكان عمرها ستة وعشرين عام فلجأت لبيت العباس، قال: يارسول الله إن برة اخت ام الفضل امرأة تكتم ايمانها وهي الآن أيِّم تريد صحبتك للمدينة او تأذن لها بالهجرة، فقال له النبي: (بل خيرٌ من ذلك يا عباس إذهب إليها يا علي وقل لها ان رسول الله يخطبك لنفسه)، فجاءها علي واخبرها، وكانت تركب على بعير، ففرحت فرحاً شديداً وقالت: البعير وما عليه لله ولرسوله، فجعل النبي وليها العباس، فأنزل الله مقراً هذا الزواج، قال تعالى: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، والآية شهادة لها بالإيمان، وقوله تعالى: {إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ}، أي بغير صداق، وقوله تعالى: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} أي هذه خصوصية فقط للنبي صلى الله عليه وسلم، فبعد زواجه منها سماها ميمونة لأن الزواج وقع في مناسبة ميمونة، وكانت آخر من تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، تألف به قريش وقبيلتها بني هلال، لأنها كانت ترتبط بصلات نسب مع كثير من سادة وأشراف قريش، ثم جاء سهيل بن عمرو ومعه رجال من قريش الى خيامهم في الابطح فوقف وقال: يا محمد قد أنتهت زيارتك فأرحل عنا، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم، مسالماً متبسماً مشرق الوجه وقال: (يا سهيل وما عليك لو زدت فيها بعض اليوم فلقد تزوجت من بنت الحارث، فما عليكم لو أعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه وشاركتمونا أياه)، فقال في جفاء: لا حاجة لنا في طعامك، فأخرج من أرضنا، وأعرس حيث شئت وفارق بلادنا، فغضب سعد، ووثب قائماً في وجه سهيل وقال: لا أمك لك، يخرج من بلدك؟ والله ليست ارضك ولا أرض آبائك، انها ارض الله الحرام وبلده ومسقط رأسه، والله لا يخرج منها الا طائعا راضياً، فأشار النبي الى سعد، أن أسكت وان إجلس، ثم ابتسم صاحب الخلق العظيم مرة اخرى مخاطباً سعد وسهيل يسمع، قال: (يا سعد لا تؤذي قوماً زارونا في رحالنا، من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليكرم ضيفه)، ثم نظر لسهيل وقال له: (حباً وكرامةً يا سهيل قم يا ابا رافع فأذن بالرحيل)، فقام ونادى بالرحيل، وقال النبي لسهيل: (ولكن تأذنوا لابي رافع أن يبقى الى المساء حتى يخرج بابنت الحارث، وامر أصحابه ان لا تغيب شمس ذلك اليوم، ورجل من اصحابه في مكة، فأتى الى منطقة اسمها سرف قريبة من التنعيم، فنزل فيها وضرب خيامه بها وانتظر قدوم ابا رافع بأم المؤمنين ميمونة وبنى بها صلى الله عليه وسلم، وعاشت ام المؤمنين الى عهد امير المؤمنين عمر، وعندما شعرت بأقتراب أجلها، قالت: اي بني امير المؤمنين أرى ان أجلي قد دنى، وإني احب أن ادفن في البقعة التي بنى بها عليٌَ النبي صلى الله عليه وسلم، فما عليك لو حملتني الى هناك ففاضت روحي في سرف ودفنت فيها؟ قال: السمع والطاعة يا ام المؤمنين، فأمر ان تجهز وتحمل الى سرف، وضربوا لها خيمة في نفس البقعة التي ضربت خيمة الزواج فيها واقاموا من حولها وتوفت هناك فدفنت في مكان ما تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بالتمام، وقبرها اليوم معروف ويزار.