وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وجمع الاسرى بساحة المسجد النبوي،
خرج المهاجرين يشهدون من يوجد بالاسرى، ومنهم ام المؤمنين سودة، فوقع بصرها على سهيل بن عمرو،
فقالت: أسهيل هل لا متم كراماً وخيرا من أن تعطوا أيدكم للأسر، تقول: فما راعني إلا ورسول الله يقول بملء فمه رافعاً صوته:(ياسودة أعلى الله ورسوله تحرضين؟)، فصككت وجهي وقلت: معذرة يا رسول الله، والله ما أدري ما قلت حين رأيت سهيل بينهم، استغفرلي يارسول الله، فقال: (يغفر الله لك).
فاستشارهم في الاسرى، بين ايدينا سبعين من صناديد قريش، نظر في اصحابه وقال: (ماذا تقولون في هؤلاء الاسرى؟)
فقال ابو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، لعل الله أن يهديهم بك فان منّنت فهو خُلقك، وإن قبِلت الفداء استغنى به الفقراء، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا، فرأيه فيه جانب الرحمة،
فقال عمر بن الخطاب: ما أرى ما رأى أبو بكر يا رسول الله، هؤلاء أئمة الكفر، وصناديد قريش، كذبوك وآذوك وأخرجوك وقاتلوك، فإني أرى أن تشرد بهم من ورآئهم، ودعني اضرب عنق ابن عمي فلان، ثم قل لعمك حمزة فليضرب عنق اخيه العباس، ثم قل لأبن أخيك علي أن يضرب عنق اخيه عقيل، ولا تبالي بما فعلته بهم بعد ذلك، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين، فكان رأيه شديد الحسم، رأيان كلاهما مختلف عن الآخر،
أخذ الفدية وأيده جماعة، او قتل الأسرى وأيده جماعة،
فتركهم النبي صلى الله عليه وسلم ودخل الى بيته، فغاب ساعة ثم خرج فقال: (إنما مثلك يا أبا بكر كمثل ابراهيم عليه السلام قال: { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وإنما مثلك يا عمر كمثل نوح عليه السلام {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}) ثم قال: (إنكم عيلا، وأرى ان تقبلوا فيهم الفداء تستعينون به، ويكن لكم يد في قريش).
وشاع الخبر بقريش في قبول الفداء، فكان حسب غنى وفقر الاسير لم يجعلهم النبي صلى الله عليه وسلم في رتبة واحدة، فأعلاه أربعة آلاف درهم من الفضة، وادناها ألف درهم،
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن لا يجد فداء، ويعلم القراءة والكتابة، فليُعلم عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة، ومن كان لا يعرف فهو طليق)، فكان أول من شرع محو الأمية رسول الله صل الله عليه وسلم،