لما علم النبي بقتال خالد، قال: (قم يا علي وانطلق الى خالد، وقل له يرفع يده عن دماء الناس)، ولما سأل النبي خالد: (كم قتلتم منهم؟)، قال: هم سبعون يارسول الله، فقال: (الله اكبر لقد أردنا أمراً، وأراد الله آخر)، وقبل أن يدخل مكة اغتسل، نزع عنه السلاح ولبس لباسه، وأعتم بعمامته السوداء التي لبسها ليلة الاسراء والمعراج وقد ارخى طرفيها على كتفيه ثم قال لعمه العباس: (اصرخ بالانصار ولا يأتيني إلا انصاري)، فنادى: يا معشر الانصار الى رسول الله، فأسرع الانصار إليه ووقفوا حوله فقال لهم النبي: (يا معشر الانصارى ارايتم قريش)، قالوا: نعم، قال: (فإن برزت لكم فحصدوهم حصداً، حتى توافوني على الصفا)، لانهم ليسوا من مكة وليس لهم ارحام بها، فتأخذهم شفقة الرحم فقالوا: سمعاً وطاعةً يا رسول الله فحمل الانصار فقط سلاحهم ومشوا بين يديه صلى الله عليه وسلم ثم ركب ناقته القصواء، وتقدم نحو مكة فطلع على اهل مكة من الحجون على ناقته القصواء، والانصار حوله مدججين بالسلاح، وياله من مشهد بعمامته السوداء فلما رأى قريش من الاعلى، وقوف تنظر إليه والناس تستشرفه طأطأ راسه حتى أن شعر لحيته يكاد يمس ظهر راحلته، ساكباً دموعه، يمشي الهوينة تواضعاً لله تعالى وهو يتلو قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} فلما وصل للكعبةواستقبل الحجر الأسود بعصاه وطاف بالبيت، وأخذ قوسه وأخذ يدفع به الأصنام حول الكعبة وهو يقول: {جَاءَ الْحقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إنّ الْبَاطِلَ كانَ زَهُوقاً} ثم طاف بالبيت سبعة ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية من المسجد، وأرسل بلالا الى عثمان بن طحة قال: له أحضر لرسول الله مفتاح الكعبة، فسأل امه عن المفتاح فقالت: هو معي قال: أعطينيه فقد طلبه رسول الله قالت: لا والآت لا أعطيك أياه قال: يا أماه إن لم تعطينيه، أرسل غيري ليأخذه قالت: ليبعث محمد من شاء، تأخر عثمان، قال النبي: (قم يا عمر فأتني بمفتاح الكعبة)، فأنطلق عمر، كان اذا صاح بأعلى صوته أرتجت الطرقات بصوته، ويفر الشيطان من المكان الذي يكون فيه عمر، فدنى من البيت ونادى بصوته: يا عثمان أين المفتاح؟ رسول الله بأنتظارك، قال عثمان: فاهتزت الدار كأن بها رعد فأخرجت أمي المفتاح وقالت: خُذ لا تدع عمر يدخل فأخذه وانطلق به الى رسول الله.