رأى كثرة العدو، ومن المحال هزيمتهم، فلما جاء الليل وتحاجز الفريقان، وبات الرومان يتحدثون عن شجاعة المسلمون واستبسالهم، كان قرار خالد أن ينسحب بالجيش، لأن المسلمون وان كانوا قد حققوا تفوقا في اليوم الأول، فليس هناك احتمال لتحقيق النصر الكامل، ولا يمكن مثلا تعقب الروم والتوغل داخل الأراضيهم بهذا الجيش الصغير، وهنا اخذ يفكر خالد لو انسحب المسلمون من أمام الرومان بطريقة طبيعية، فلابد أنهم سيلحقوا بهم وستكون مجزرة حقيقية يباد فيها الجيش بأكمله، فوضع خطة انسحاب محكمة، أراد بها ايهام الجيش الرومي، ان انسحاب المسلمون هو خدعة يريد بها استدراجهم، فلا يلحقوا بهم وبذلك ينجو بالجيش المسلم بلا خسائر، فوضع خالد أعظم خطة انسحاب في التاريخ فقام رضي الله عنه بالخطوات التالية؛ جعل الخيل طوال الليل تجري في أرض المعركة لتثير الغبار الكثيف ويصاحب ذلك اصوات التكبير، فيُخيل لهم أن هناك مددا لا ينقطع طوال الليل يصل الى المسلمين، وعندما جاء الصباح جعل في خلف الجيش وعلى مسافة بعيدة منه مجموعة من الجنود خلف أحد التلال فأختار مئة فارس وقال: قفوا خلف تل مؤتة فإذا طلعت الشمس تأتوني عشرة عشرة، وكل عشرة معهم لواء تضربون الارض بالخيل وتثيرون الغبار فٱذا هدأت الغبار تتقدم عشرة، يضربون الارض بالخيل وهكذا عشرة عشرة، وقام بتغيير ترتيب الجيش فجعل الميمنة ميسرة والميسرة ميمنة وجعل المقدمة مؤخرة والمؤخرة مقدمة، وحين رأى الرومان الجيش في الصباح، ورأوا الرايات والوجوه والهيئة قد تغيرت، أيقنوا أن هناك مددا قد جاء للمسلمين، فانهارت معنوياتهم وساد فيهم الرعب والارتباك، وفي ذلك الوقت قام خالد بهجوم قوي ومباغت، وقتلوا الكثير من الروم ومن شدة القتال تكسرت في يد خالد بن الوليد تسعة أسياف، قال: فصبرت معي صفيحة لي يمانية، رضي الله عنه وقبل أن يعيد الروم ترتيب صفوفهم، أعطى خالد لقادته الإشارة بالارتداد الى الخلف كما اتفق معهم، فأخذ الجيش يغادر أرض المعركة بكل هدوء وثقة وانضباط، وكان خالد يجول بفرسه بين الجيش ليشرف على عملية الإنسحاب، وشاهد الرومان المسلمون وهم يرتدون الى الخلف بعد الهجوم الكاسح الذي قاموا به، اعتقدوا أنه مدد يصل الى الجيش المسلم، فأيقنوا أن هذا الإنسحاب مكيدة يريد بها المسلمون استدراج الجيش الرومي الى أحد الكمائن، وهم يعرفون أن العرب يجيدون الكر والفر والكمائن في الحرب، فخافوا من تتبع المسلمين، وأصدر قادة الروم أوامرهم بعدم تعقب جيش المسلمين، وهكذا نجحت خطة خالد وخدعته العسكري الباهرة، وعاد الجيش الى المدينة سالما، وكان اليوم الأول من القتال في صالح المسلمون تماما فقد ثبتوا أمام الرومان، وأفشلوا خططهم في تطويق المسلمون، والنتيجة بعد الانسحاب كان عدد قتلى الرومان، جاء في كتاب فقه السيرة عددهم كان مالا يحصى، وقيل بعد الفتوحات الاسلامية ودخول الناس في دين الله اخبر العرب الصحابة أن عدد قتلاهم كان في مؤتة فوق ثلاثة آلاف. في حين اتدرون كم كان عدد الشهداء؟ كان اثنا عشر شهيدا.