موقف:
كان سيدنا عمر بن الخطاب يحب أخاه زيداً ، وقد قُتل في حروب الردة .ذات نهار بسوق المدينة يلتقي وجهاً بوجه بقاتل زيد وكان قد أسلم وصار فرداً في رعيته يخاطبه الفاروق غاضباً : والله إني لا أحبك حتى تحب الأرض الدم المسفوح فيسأله الإعرابي متوجساً : وهل سينقص ذاك من حقوقي يا أمير المؤمنين ويُطمئنه امير المؤمنين لا فيغادره الإعرابي بمنتهى اللامبالاة قائلاً : إنما تأسى على الحب النساء(أي مالي أنا وحبك إذ ليس بيني وبينك غير الحقوق والواجب)، لم يغضب أمير المؤمنين ولم يزج به في السجن بل كظم غضبه على جرأة الإعرابي وسخريته وواصل التجوال لم يفعل ذلك إلا إيماناً بحق هذا الإعرابي في التعبير وبفضل شجاعة هذا الإعرابي وبكظم الغضب وهو في قمة السلطة
نماذج:
دخل السفاح الخليفة العباسي بخيله مسجد بني أُمَيّة ثم دخل قصرهُ وقال : أَتَرَونَ أَحَد مِن النّاس يُمكِن أن يُنكِر عليّ؟ قالوا له: لا يُنكِر عليك أحد إلا الأوزاعي فأمَرُهم أْن يُحضِروه فلمّا جاؤوا إليه قام رحمهُ الله فاغتسل ثم تكفّنَ بكفنِه ولبس فوقهُ ثوبه وخَرَج من بيتِه إلى القصر فامر السفاح وزراءه وجُندَه أنْ يقفوا صفّين عن اليمين والشّمال وأن يرفعوا سيوفهم في محاولةٍ لإرهابه فدخل عليه رحمه الله يمشي في وقار العلماء و ثَبَات الأبطال ويقولُ عن نفسِه : والله ما رأيتهُ إلا كأنه ذُبابٌ أمامي يوم أنْ تصوّرتُ عرشَ الرّحمن بارزاً يوم القيامة وكان المُنادي يُنادي فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير والله ما دخلت قصرهُ إلا و قد بعتُ نفسي من الله عز وجل فقال له السّفاح : أأنت الاوزاعي؟ فرد عليه بثبات : يقول الناس اني الاوزاعي اغتاظَ السّفاح وأرادَ إهلاكَه فقال : يا أوزاعي ما ترى فيما صَنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العِباد والبِلاد أجِهاداً ورِباطاً هو؟ قال: أيها الأمير حدّثني فُلان عن فُلان قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله يقول:” إنّما الأعمال بالنّيات، وإنما لكل امرئ ما نوى…” دهشَ السّفاح من هذه الإجابة المُسدَّدة فنكتَ بالخَيزرانة في يدِهِ على الأرض،أشدّ ما ينكت، ثم قال: ما ترى في هذه الدماء التي سفكنا مِن بني أُميّة؟ قال: حدّثني فلان عن فلان عن جدّك عبد الله بن عباس أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم قال:” لا يحلُّ دمُ امرئٍ مسلمٍ يشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وأنّي رسولُ اللهِ،إلا بإحدى ثلاثٍ النفسُ بالنفسِ والثّيِّبُ الزاني والمفارقُ لدِينِه التاركُ للجماعةِ ” فغضب جداً ورفَعَ الأوزاعِي عِمامته حتي لا تعوق السّيف وتراجعَ الوزراء للوراء، ورفعوا ثِيابهم حتي لا يصيبهم دمه فقال له السّفاحُ وهو يشتاطُ مِن الغَضَب : ما تري في هذه الأموال التي أُخِذت وهذه الدُّور الّتي اغتُصِبت؟ فقال له رحمهُ الله : إن كانتَ في أيديهم حراماً فهي حرامٌ عليك أيضا، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي وسوفَ يُجرِّدُك اللهُ يوم القيامة و يُحاسِبك عُرياناً كما خَلَقك فان كانت حلالاً فحساب وان كانت حراما فعقاب فزاد غيظَ الحاكم أكثر وأكثر ونكتَ على الأرض بعصاهُ، أشدّ ما ينكت والإمام يردد جهراً :”حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم” فقال له : اخرج عليّ ورماهُ بصرّة مال ليأخُذها فرفض الإمام اخذها ، فأشار عليه احد الوزراء بأخذها فأخذها من يدِه و نثرها أمامه في أثواب الوُزراء والحاشية ثم ألقى الكيس وخرجَ مَرفوع الرأس قائلاً : ما زادني الله إلا عزةً و كرامه ولما مات الامام الاوزاعي رحمه الله ذهب الحاكِم إلي قبره وقال : والله إني كنتُ أخافك كأخوفِ اهل الارض وما خِفتُ غيرك والله إني كنت إذا رايتك رأيت الأسد بارزاً