أسلم الحجاج بن علاط حديثا وشارك في خيبر، فلما تحقق النصر للمسلمين، جاء الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن لي بمكة مالاً متفرق عند تجار مكة، هل تأذن لي أن آتي مكة وأن اقول، فأذن له،
فلما رآه أهل مكة قالوا: هذا الحجاج بن علاط عنده والله الخبر فأنطلقوا إليه ليسمعوا منه الخبر قالوا: أخبرنا يا أبا محمد، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار الى خيبر، فضحك وقال: لقد هزم محمداً هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط وقد أخذوه اهل خيبر اسيراً عندهم وقالوا: لن نقتل محمدا، حتى نبعث به الى اهل مكة، فيقتلوه بين أظهرهم، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط،
فضاجت قريش كلها بين مصفر ومصفق وراقص وواضع يده على راسه، من فرحهم، فصاحوا وامتلأت مكة بالأفراح،
ثم قال الحجاج أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي، فإني أريد أن أقدم خيبر، فأصيب من فيء محمد واصحابه، قبل أن يسبقني إليه التجار، فجمعوا له كل ماله الذي بمكة،
فجاء العباس رضي الله عنه وكان يكتم اسلامه وقف بجانب الحجاج مهموماً مكسوراً مهزوماً، حزيناً قد دمعت عيناه قال: يا حجاج، ما هذا الخبر الذي جئت به؟ فأبتسم الحجاج وقال: جئتك والله بما يسرك يا أبا الفضل، والله لقد تركت ابن اخيك قد فتح الله تعالى عليه خيبر وصارت خيبر واموالها كلها له ولأصحابه، وتركته عروسا على ابنة حيي بن اخطب سيدهم ففرح العباس وقال: أحقاً ما تقول يا حجاج؟ قال: نعم والله، ولكن أكتم علي الخبر ثلاثا فإني أخشى الطلب، وبعدها تكلم بما حدثتك فهو والله الحق
ثم أخذ الحجاج أمواله وانطلق وترك قريش في فرحة لا توصف، ينتظرون اهل خيبر ان يحضروا لهم النبي اسيراً مكبلاً بالأغلال، فلما مرت ثلاثة أيام قام العباس رضي الله عنه واغتسل، ولبس اجمل الثياب، وتعطر ثم جاء بكل هدوء وسكينة الى قريش، وكانوا مجتمعين عند الكعبة فنظروا اليه وقالوا: يا أبا الفضل هذا والله التجلد على حر المصيبة فضحك وقال: كلا والله الذي حلفتم به، ولكن ابن اخي محمدا قد فتح خيبر، وصارت له ولأصحابه، وهذه هي بنت سيدهم حيي اصبحت زوجة له
فقاموا واقفين مذهولين قالوا: أحقاً ما تقول؟ من أتاك بهذا الخبر؟ قال: الذي جاءكم واخبركم به الحجاج بن علاط ولقد اسلم، واتبع دين محمد، وما قال لكم ما قال إلا ليأخذ ماله ثم يلحق به فصاحوا: لقد خدعنا والله، ثم لم تمر الا أيام قليلة حتى جاءهم الخبر فأسقط في أيديهم {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }