وقعت حرب بين الفرس والروم ، وانتصر الفرس وكانت قريش تميل للفرس، ففرحت وتوعدت من دخل في دين محمد أنه سيأتي يوم لنا ونقضي على هذا الدين، حينها كان المسلمون مستضعفين في مكة، فأغتم النبي والمسلمون لذلك، فأنزل الله {الم، غُلِبَتِ الرُّومُ، فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ، فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} فكانت الايات تأكيد لأهل مكة ان رسول الله مرسل من عند الله، وأن الروم سيغلبوا الفرس،
ففي الوقت الذي أرسل النبي صلى الله عليه وسلم رسائله كان نصر الروم على الفرس على يد هرقل، كما اخبر الله تعالى نبيه تماماً، وقيصر هو لقب لحاكم الروم الاول لأنهم استخرجوه من بطن أمه التي ماتت في مخاضها به، ومن يحكم الروم بعده كان يأخذ لقب قيصر، وكان يسيطر في ذلك الوقت على نصف أوروبا الشرقية تركيا الشام مصر شمال افريقيا وكلها مطلة على البحر الابيض لذلك سمي في ذلك الوقت بحيرة رومانية، وإقامة هرقل كانت في حمص وكان نذر إن نصره الله على الفرس أن يأتي مشياً على قدميه من حمص الى بيت المقدس شكرا لله على نصره في حربه ضد الفرس، فخرج ماشيا وتبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين ليمشي عليها.
كان صلى الله عليه وسلم يختار السفير حسن الهيئة والوجه، فاختار الصحابي الجليل دحية بن خليفة الكلبي رضي الله عنه، وكان دحية حسن الهيئة حسن الوجه، وله ميزة خاصة من الله عزوجل، وهي ان جبريل عليه السلام كان عندما يأتي الى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة بشرية كان يأتيه في صورة رجل حسن الهيئة يشبه دحية وعندما يرى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على شكل دحية، بشكل بدوي يقول له مرحبا بأخي جبريل فكانت من خصائصه وشدة بصيرته النورانيه صلى الله عليه وسلم يعرف الملائكة بأي شكل وأي صورة لم تكن هذه الخصيصة موجودة إلا عنده صلى الله عليه وسلم،
ونص رسالة النبي الى هرقل: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين) ثم ختمها بقوله تعالى: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})، وانطلق بها دحية ولما وصل اخبروه ان هرقل موجود الآن في بيت المقدس فذهب اليه واستأذن بالدخول، فلما دخل اعطاه الرسالة،
فلما نظر وقرأ له الترجمان ما فيها كان يقف بجانب الترجمان اخو هرقل فلما سمع الترجمان يقرأ من محمد رسول الله إلى قيصر صاحب الروم ضرب صدر الترجمان ضربة شديدة ونزع الكتاب من يده، وأراد أن يقطعه فقال هرقل لأخوه: ما شأنك؟ فقال: تنظر في كتاب رجل قد بدأ بنفسه قبلك وسماك قيصر صاحب الروم، وما ذكر لك ملكا؟ فقال له هرقل: إنك أحمق صغير، أتريد أن تمزق كتاب رجل قبل أن أنظر فيه؟ ولعمري إن كان رسول الله كما يقول لنفسه، أحق أن يبدأ بها مني فلما انتهى الترجمان من قراءة الرسالة
قال هرقل: هذا كتاب لم أسمع بمثله وكان هرقل متدينا وذو علم ، وكان يعلم من الكتب التي قرأها من كتب أهل الكتاب أن هناك نبيا خاتما بعد عيسى وقد بشر به عيسى وموسى عليهما السلام وقرأ صفاته في تلك الكتب ولكن لم يكن يعلم أن هذا الرجل الذي ارسل اليه هو هذا النبي أم لا ولذلك لم يتعجل في الرد على دحية الكلبي وأمر جنوده أن يأتوا له ببعض العرب من أهل مكة لكي يسألهم عن هذا النبي الذي ظهر في بلادهم وقال هرقل لصاحب شرطته: قلب الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه، فكان أبو سفيان زعيم قريش في تجارته فقبض الجنود على بعض تجار مكة كان يتاجرون في غزة، قال أبو سفيان: ادخل مع أصحابه من التجار الى مجلس هرقل وحوله حاشيته من الوزراء والأمراء وقادة الجيش والعلماء ورجال الدين، سأل هرقل التجار بترجمانه: أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا إليه فقال: أدنوه مني، واجعلوا أصحابه خلف ظهره فقد يستحوا أن يكذبوه في وجهه ويكذبوه وهو لا ينظر اليهم، وهذا يدل على حكمته ودقته وعلى شدة اهتمامه بقضية حبيبنا صلى الله عليه وسلم، ثم قال لترجمانه قل لهم: إني سائلٌ هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه وبذلك يتأكد هرقل من صدق أبو سفيان،