قالت بركة: فمكثنا أيام نعالج مرضها، وذات ليلة أخذ المرض يشتد بها أكثر وأكثر فعلمت آمنه أنها ستموت فقالت: يا بركة قربي مني محمدا، فقربته، فوضعت يدها على رأسه تتلمسه وهي تنظر إليه وتقول:
(بـارك فيك الله مـن غلام ؛؛ يا إبن الذي من حومة الحمام
نجا بعـون الملك المنعـام ؛؛فُودي غداة الضرب بالسهام
بمائـة مـن إبـل سـوام ؛؛ إن صح ما أبصرت في منامي
فأنـت مبعوث إلى الأنـام ؛؛ من عند ذي الجلال والإكرام) وهي تنظر إلى أبنها وكأنها تودعه ثم قالت: يا بركة لا تغفلي عن محمد، فإن أهل الكتاب يعتقدون أنه نبي مبعوث، وإن ألد أعدائه يهود فأنا لا آمنهم عليه فلا تجعليه يغيب عن ناظرك ثم قالت: يا بني، كل حي ميت وكل جديد بال وكل كبير يفنى وأنا ميتة وذكري باقي وقد تركت خيراً وولدت طهراً، ثم ماتت ويدها على النبي صلى الله عليه وسلم، قالت بركة: وأخذ محمد يكلمها فلا ترد عليه، وعلمت أنها ماتت فأغمضت عينيها وضممت يدها إلى صدرها، وحاولت أن أبعده عنها ولكنه تمسك بها وهو يقول وينادي: أمي أمي ثم نظر إليّ وقال: لما لا ترد أمي عليّ، فأضررت أن أقول له لقد ماتت يا بني، فذرف دمعاً غزيراً وهو متعلق بها، فحاولت أن أبعده عنها فقال القوم الذين معي: دعيه يا بركة بجانب أمه، فبقي طوال الليل بجانبها لم ينم، يضمها ويبكي لا نسمع إلا بكائه وتنهده. فكنت اتي إليه، كي أُدير وجهه عن أمه، من شدة البكاء،كي لا يراها، فلما كان النهار شققنا لها قبر في الرمال، واخذنا نحفر وهو يحفر معنا ويبكي، فلما هممنا بدفنها،تعلق بها وأصر أن ينزل معها في حفرتها ولما أتعبنا قال القوم: لا بأس أنزلوه في حفرتها قليلاً، فنزل وتمدد بجانبها بالحفرة وضمها إليه وهو يبكي، ثم أخرجوه من الحفرة ووضعوا عليها الرمال وأخذت ام ايمن يده لتذهب فقال لها: نأخذ امي معنا، حتى اذا وصلت مكة توجهت الى بيت جده فطرقت الباب فإذا عبد المطلب يفتح الباب ثم نظر للصبي، وقال: أين أمك يا محمد؟ فبكى واخذ يردد ماتت، ماتت.