قالت بركة: غفلت عنه يوماً واذا بعبد المطلب عند رأسي يصرخ بي بأعلى صوته يا بركة ألم أقل لك لا تغفلي عن محمد؟ قلت: هو ذا يلعب عندي، قال: أين هو؟ أتعلمي أين وجدته؟ وجدته عند الصبية عند السدرة، ألم أقل لك أني لا آمن عليه يهود؟ لا تجعليه يا بركة يغيب عن نظرك، مرض عبد المطلب، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بقى جالساً عند سريره لا يفارقه شعر شيخ مكة عبد المطلب بدنو الأجل، فأرسل لأولاده وبناته الستة، ووقفوا حول سريره تسعة رجال ومحمد صلى الله عليه وسلم واقف عند رأسه، ثم نظر إليهم وبكى بكاءً مُراً ، فقال له أبو طالب: ما هذا الخوف يا شيخ مكة ما عهدناك كذلك؟ قال: يا بني إني لا أخاف الموت فإن الموت مصير كل حي، لقد مات إبراهيم وإسماعيل وهما عند الله خير مني ولكن الذي يحزنني ويؤلم قلبي هذا اليتيم، إني أوقن أن له شأن وأنّا كل أهل الكتاب رأيتهم يجمعون أنه نبي منتظر ليتني أدرك ذلك الزمن. فقال أبو طالب: لا تحزن نحن نعاهد الله ونعاهدك أن يكون محمداً أحب إلينا من أولادنا وأنفسنا، فوكّل عبد المطلب كفالة محمد إلى أبو طالب، ومازال عبد المطلب حي على سريره، ثم نظر عبد المطلب إلى اليتيم الذي تعلق فيه كثيراً، الذي كان يبلغ من العمر 8 سنين ووضع يده على رأسه ومسح عليه وهو ينظر إليه ثم خرجت روحه ويده على رأسه وعينيه تنظر إليه. قالت بركة: فبكى بكاءً مُراً، وأنا أنظر إليه يقف عند سرير جده يصب دمعاً غزيراً فما إستطعنا أن نبعده عنه. ثم دفن في الحجون.