أحد بطون هوازن، وفد مبارك ممثلاً بضمام بن ثعلبة فقط، وهو من عقلاء القوم وحكمائهم، وقع الخيار عليه لثقتهم فيه وفي رأيه، فطلب منه أن يحدث النبي ويرى فيه رأيه ثم يأتيهم بالخلاصة، فكان خير وفد وخير وافد، قدم على جمل له وحده ودخل المسجد بجمله، وأناخه وعقله على بابه، ثم دخل المسجد وكان النبي متكئاً على ذراعه اليمنى، قال الصحابة: فدخل ضمام وله دوي لا يفهم قال: أيكم محمد بن عبد المطلب؟ فأستند النبي وقال: (نعم انا بن عبدالمطلب)، قال ضمام: أمحمد؟ فقال النبي: (نعم انا محمد بن عبد المطلب)، تقدم ضمام الى النبي وقال: يا ابن عبد المطلب، فقال النبي: (قد أجبتك)، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليّ في نفسك، فقال النبي: (سل عما بدا لك فإني لا أجد إن شاء الله تعالى)، قال: يا محمد! أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك، قال النبي: (صدق)، قال: فمن خلق السماء؟ قال النبي: (الله)، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: (الله)، قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: (الله)، قال: اناشدك الله الذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب الجبال إلهك وإله ابائك وإله من كائنٌ بعدك، آلله أرسلك إلينا رسولا؟ قال: (اللهم نعم)، قال: زعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال: (صدق)، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: (نعم)، قال: وزعم رسولك أن علينا زكاة في اموالنا، تؤخذ من اغنيائنا فتقسم في فقرائنا، قال: (صدق)، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: (نعم)، قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟ قال: (صدقك)، قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: (اللهم نعم)، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلاً، قال: (صدق)، ثم قرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيء من القران، فلما انتهى قال ضمام: آمنت بما جئت به، وإني اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، وانك يا محمد رسول الله، فوالذي بعثك بالحق وانقذنا بك من الضلالة الى الهدى، لن ازيد عن ما سمعت منك ولا انقص منهن شيء، وأنا ضمام بن ثعلبة وانا رسول من ورائي من قومي إليك، من بني سعد بن بكر، ثم ولى ضمام ورجع الى قومه مسرعاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد فقه الرجل، ولئن صدق ليدخلن الجنة)، وصل ضمام الى قومه، فقال: بئست اللات والعزى، قالوا: مه يا ضمام، اتقِ البرص والجذام والجنون، قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، ولا يزال بقومه، حتى أسلموا جميعا رجالا ونساءاً في نفس اليوم الذي عاد فيه. فكان خير وافد رضي الله عنه.