ارجاعه الى اهله

فلما دخلوا مكة، وجدوا عبد المطلب جالساً في حجر الكعبة فقلنا: لقد قدمنا بمحمد، ولكن أضللناه في مشارف مكة، ضاع منا فلا ندري أين هو، فوثب عبد المطلب على قدميه مفزوعاً، ثم وقف على باب الكعبة الملتَزَم، وذرف الدموع الغزيرة. ثم رفع يديه وقال: لاهما رُدّ لي محمداً، رده لي، ثم اتخذ عندي يداً. أنت الذي سميته محمداً، فسكت، ووضع أذنه على باب الكعبة، ثم قال: هااا، أين نجده؟فقلنا ما الأمر يا شيخ مكة؟ قال: عرفتُ أين محمد، فسمع الصوت نفسه يقول: بوادي تهامة عند الشجرة اليمنى. فأسرع عبد المطلب وركب فرساً وركب خلفه ورقة بن نوفل وانطلقا وانتظرناهم عند البيت، لما وصل رآه يمسك بغصن شجرة يسحبه ويتركه، يسحبه ويتركه فقال عبد المطلب: من أنت يا غلام؟ قال: (أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب شيخ مكة)فبكى عبد المطلب، وذرفت دموعه على خديه وقال: وأنا جدك يا حبيبي، فداك نفسي، ثم اقترب منه وحمله، وحضنه، وأخذ يقبّله، وأجلسه في مقدمة فرسه في حضنه، ثم رجع وهو يحمد الله، ثم نحر عشرون ناقة وعدداً من الغنم وأولم وليمة ودعا أهل مكة كلهم بفرحه برجوع محمد صلى الله عليه وسلم، قالت حليمة: ونمنا تلك الليلة في ضيافتهم وأكرمونا. فقالت آمنة: يا حليمة لِم تعجلتِ بعودة محمد ولمّا تنتهِ مدة كفالته؟كُنتِ حريصة على أن يمضي عندك عامين أو أكثر ولما يمضِ العامان بعد؟ قالت حليمة: قد أدّينا ما علينا وأحببت أن أرده إليكِ سالماً معافى، لأن الأم تشتاق لولدها! فضحكت آمنة وقالت: ما هذا شأنك أبداً، يا حليمة لن أدعك تتركي هذا المنزل حتى تخبريني خبر محمد، قلت سأحدثك: ولكن ما جرى ليس لنا به شأن، فحدثتها بكل ما جرى فهو خارج إرادتنا. ثم التفتت آمنة لمحمد وقالت: ما الذي جرى معك يا ولدي؟ فحدثها القصة كاملة صلى الله عليه وسلم. فضحكت آمنة وقالت: يا حليمة؛ وتخوفتِ عليه من الشياطين؟ قالت آمنة: يا حليمة؛ ألم أخبركِ خبر حملهِ وولادته، وإن لإبني هذا شأناً وأني لمّا حملت به قيل لي قد حملتِ بسيد هذه الأمة، فإذا وضعتِه فسميه محمداً. يا حليمة: إن لإبني هذا شأناً لا سبيل للشياطين عليه أبداً، دعيه عنك وارجعي راشدة. قالت حليمة: فأكرموني أكثر ما يكرم قومٌ مرضعاً فرجعنا ونحن نفرح أن محمداً الذي ربيناه سيكون له شأن، أكثر من فرحتنا بالعطايا التي أعطونا إياها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *