فلما إجتمعوا قال النجاشي: ما الأمر يا عمرو تكلم؟ قال إن فينا سفهاء خرجوا عن دين الآباء والأجداد ولا دخلوا في دينك أيها الملك. وإبتدعوا دين لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد أرسلنا أشراف قومنا، حتى تردهم إلينا، فأهلهم أعلم وأولى بهم. فقال البطاركة كلهم بصوت واحد: نعم صدق أيها الملك. فصاح بهم بئس ما شهدتم به، كيف أحكم بنعم قبل أن أسمع الطرف الآخر؟ ثم صاح بالجند أرسلوا إليهم حتى أسمع منهم، فإذا سمعت قضيت؛ فلما حضروا قالوا: يا جعفر أنت المتكلم فينا، ولما دخل الملك ركع الجميع له، إلا الصحابة بقوا واقفين، فنظر النجاشي لهم. وقال: ألا تركعون لنبيكم؟ قالوا: لا، لقد علمنا أننا؛ لا نركع إلا لله، فقال: كيف تسلمون على نبيكم؟ قالوا: نقول له السلام عليك يا رسول الله، فسكت النجاشي، ونظر إلى عمرو وقال: هاتِ يا عمرو تكلم. فأخبره نفس الكلام، قال: قد سمعت منك، ثم قال: وأنتم، من المتكلم فيكم؟ فتقدم جعفر أمام النجاشي قال: أيها الملك كنا قوم أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، و نسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، وندفن البنات أحياء، ونأتي كل الموبقات، حتى بعث الله إلينا رسولاً، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه. فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن، وآباؤنا، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً. وعدد له أمور الإسلام؛ فتعدى علينا قومنا فعذبونا، وضيقوا علينا، حتى قال لنا نبينا إذهبوا إلى الحبشة. إن فيها رجل لا يُظلَم عنده أحد. قال النجاشي: وهل تحفظ شيئا مما أُنزِل على نبيك؟ قال: نعم، وقرأ عليه شيئ من القرآن فدمعت عينا النجاشي واعن البطاركة.