فقال النجاشي: إن الذي جاء به نبيكم، وجاء به عيسى يخرج من مشكاة واحدة. إنطلقوا أنتم الآمنون، ثم نظر لعمرو، وقال: لن أسلمهم ولا بجبل من ذهب، وانفضوا. وفي اليوم الثاني، قال: أيها الملك جئت أودعك، ولكن لما بيني وبينك من ود لا أريد أن أسكت عن شيء، إن هؤلاء يقولون عن المسيح قولاً لا ترضى به أبداً، سمعتهم يقولون أن عيسى بشر كسائر البشر، فغضب النجاشي، وأرسل إليهم مرة ثانية؛ فتشاور الصحابة، ماذا نقول له؟ قال جعفر: والله، لا أقول له إلا ما أنزل الله، لا نغير في ديننا شيء فحضروا، قال النجاشي: يا جعفر ماذا تقول في المسيح؟. قال: أقول فيه ما أنزل الله على نبينا، قال: وهل نزل في المسيح شيء على نبيكم؟ قال: نعم، فقرأ جعفر من سورة مريم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا} الى قوله تعالى: {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}، فجهش النجاشي بالبكاء، حتى إبتلت لحيته من الدموع، وبكى البطاركة ممن حوله، ثم قام النجاشي، وخط بعود في يده على الأرض وقال: لم يتعدى المسيح هذا الخط، ثم قال: إنطلقوا في أرضي سالمين آمنين من سبكم غرم. وإلتفت إلى البطاركة وقال: أرجعوا لعمرو هداياه، وقال: إرجع لقومك، والذي نفسي بيده، والذي وهبني المُلك من غير رشوة؛ لا آخذ رشوة بعبد من عباد الله. قال: يا عمرو هؤلاء الرجال خير عندي من جبال الأرض ذهباً.