قالت أم سلمة رضي الله عنها:
وقال ابن عمي: ألا تشفقون على هذه المسكينة، فسمحوا لي بالخروج، فردوا علي ولدي، وأخذت بعيري وجلست عليه.
فقالوا لي: مهلاً حتى تجدي قافلة تصحبك،
فقلت: لا قد لين الله قلوبكم اليوم، فلا أدري ماذا يكون غدا، وأنطلقت لا أدري أين يثرب تقع؟ حتى إذا كنت في التنعيم،
قابلني عثمان بن أبي طلحة، وكان مشركا، فقال: إلى أين يا ابنة زاد الركب؟ (لكرم أبيها مع القوافل)
قلت: ألحق بزوجي الى يثرب. فقال: ألا يصحبك أحد؟ قلت : إلا الله
فقال: مالي بهذا مترك، فأخذ حبل البعير، ومشى على رجليه يقود بعيري. فلا والله ما رأيت رجلا كان أكرم منه في صحبة ولا أجَلَّ خلقا، فكان يمشي بالبعير حتى إذا رأى وقت الراحة قد وجب؛ أجلسنا عند شجرة ثم إبتعد حتى أنزل عن البعير، فيرجع ويأخذ البعير إلى بعيد ثم يضطجع، ويعطيني ظهره، حتى إذا رأى أننا إسترحنا صفق بيده وقال: يا ابنة زاد الركب، أقدم لك البعير لتركبي، حتى إذا جلستْ، جاء وأنهض البعير ومشى؛ فما زال يصنع بي حتى رأى نخيل يثرب،
قال: يا أم سلمة إن زوجك في هذه القرية وقد أبلغتك مأمنك، فانطلقي راشدة فترك بعيري ، ثم وقف ينظر حتى دخلت في نخيل قباء، فرجع ماشياً على قدميه. فلما وصلت وعلم أبو سلمة من أوصلني أثنى عليه بخير، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وعلم بأمرنا وما حدث، وما زالت يد الولد مخلوعة، فأمسك يده، ووضعها مكانها، وبل يده بريقه ومسح عليها، فعادت يد الصبي أفضل مما كانت.