: لما أستعدوا للخروج، جاء عمرو بن الجموح وكان له خمس شباب تجهزوا للخرج، قالوا له: يا ابانا أنت قد عفاك الله، فلا حرج عليك، فمنعوه، فدخل للمسجد ودموعه تسيل على خديه وهو يقول: يا رسول الله أنظر لبني، يقفون بيني وبين الخروج في سبيل الله، فماذا عليهم اذا وطأت بعرجتي هذه أرض الجنة؟ فنظر النبي إليه والى بنيه وقال: (أما أنت فقد عفاك الله من كبر سنك، وبلائك، وأما أنتم فما عليكم أن تمنعوه، لعل الله ان يرزقه الشهادة)
فرفع يديه للسماء: اللهم لا تردني الى اهلي خائباً ابداً، واني يارب أحب أن اطأ بعرجتي هذه ارض الجنة، فخرج مع صديقه عبدالله بن حِرام. كان يقف النبي على جثة كل شهيد، فلما رأى صلى الله عليه وسلم جثة عمرو بن الجموح، تذكر ما قاله، وكان ابنائه يقفون حول النبي فبكى وقال: (والذي نفسي بيده لقد رأيته يطأ بعرجته أرض الجنة)،
فقال ابنائه: يا رسول الله كان قد تواعد مع صديقه عبدالله بن حِرام، ان يلتقيا في الجنة إذا فرقهم الموت، وقالا قبل الخروج، إن تفرقنا فموعدنا في الجنة، فقال لهم النبي: (اجعلوهما في لحد واحد، ولفوهما في ثوب واحد، ولا تفرقوا بينهما)،
ووقف النبي على جثة حنظلة بن عامر شاب من المهاجرين، أراد النبي أن يزوجه من الانصار وتمت الخطبة وقبل الدخول عليها والبناء، جاء أمر الخروج لأحد، فاستأذن حنظلة النبي صلى الله عليه وسلم، أن يبني بعروسه قبل خروجه ثم يلحق بالجيش فأذن له، فلما كان الفجر وقبل أن يغتسل ويصلي، سمع نداء الناس ان الحرب مع قريش ستبدأ، فتعجل وأسرع بالخروج فقالت له زوجته: إنك لم تغتسل، قال: الجنابة لن تحول بيني وبين الجهاد في سبيل الله، فإني أخشى إن بقيت حتى أغتسل، أن يفوتني موقفاً مع رسول الله، فخرج والمسلمون لا يعلمون بأمره، ولكن زوجته أرسلت تستدعي اربعة من رجال قومها، واشهدتهم أن حنظلة قد بنى بها قبل ان يخرج للجهاد فقالوا: انتِ عروسه فلماذا تشهدينا؟ قالت: لإني أعتقد أنه لن يرجع، ولعلي قد علقت بحمل منه فإني اريد أن اغلق باب الغيبة والريبة. رأى حنظلة ابو سفيان وهو هارباً، فلحقه وهو يقول: يا رأس الكفر، فضرب بسيفه ساق فرسه فسقط ابوسفيان عن فرس فرفع حنظلة عليه السيف فصرخ ابو سفيان: يا بني غالب، فإذا رجل خلف حنظلة، يرفع رمحه وطعن به حنظلة فوقع شهيداً رضي الله عنه، فلما نظر النبي على جثته ، أشار بأصبعه إليه وقال: (هذا صاحبكم رأيت الملائكة تغسله بين السماء والأرض بأطباق من الفضة، نسأل صاحبته)، فلما رجعوا سألوها فأخبرتهم، لذلك سمي غسيل الملائكة رضي الله عنه.