قصة وعبرة

خرج الحجاج ذات يوم للصيّد فرأى تسعة كلاب إلى جانب صبي صغير السن وله ذوائب.

فقال الحجاج: ماذا تفعل أيها الغلام؟ فرفع الصبي طرفه إليه

وقال: يا حامل الأخبار لقد نظرت إلىّ بعين الاحتقار وكلمتني بالافتخار وكلامك كلام جبار وعقلك عقل بغال .

فقال له: أما عرفتني؟

فقال الغلام: عرفتك بسواد وجهك لأنك أتيت بالكلام قبل السلام.

فقال: ويلك أنا الحجاج بن يوسف.

فقال الغلام: لا قرّب الله دارك ولا مزارك فما أكثر كلامك وأقل إكرامك.

فما أتم كلامه إلا والجيوش حلّقت عليه من كل جانب فأمرهم أن يحملوه إلى قصره.فجلس في مجلسه والناس حوله جالسون ومن هيبته مطرقون وهو بينهم كالأسد، ثم طلب إحضار الغلام،فلما مثل بين يديه،

رفع الغلام رأسه وأدار نظره فرأى بناء القصر عاليا،ً ومزينًا بالنقوش والفسيفساء وهو في غاية الإبداع والإتقان. فقال الغلام: أتبنون بكل ريع آية تعبثون وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين.

فاستوى الحجاج جالساً وكان متكئاً وقال : هل حفظت القرآن؟

فقال الغلام: هل القرآن هارب مني حتى أحفظه.

فسأله: هل جمعت القرآن؟

فقال الغلام: وهل هو متفرق حتى أجمعه؟

فقال: أما فهمت سؤالي؟

فأجابه الغلام: ينبغي لك أن تقول هل قرأت القرآن وفهمت ما فيه.

وكلما سأله اجاب الى أن قال الحجاج: فأخبرني عن أقرب شيء إليك؟

فقال الغلام: الآخرة.

ثم قال: سبحان الله يأتي الحكمة من يشاء من عباده ما رأيت صبياً أتاه الله العلم والعقل والذكاء مثل هذا الغلام.

ثم قال: أحسنت يا غلام وأجملت وقد غمرتنا ببحر علمك، فوجب علينا إكرامك ثم أمر له بألف دينار وكسوة حسنة وجارية وسيف وفرس، وقال في نفسه: إن أخذ الفرس نجا، وإن أخذ غيرها قتلته.

فلما قدمها له قال : خذ ما تريد يا غلام،

فقال الغلام: إن كنت تخيرني فإنني أختار الفرس، أما إن كنت ابن حلال فتعطيني الجميع. فقال: خذهم لا بارك الله لك فيهم.

فقال الغلام: قبلتهم لا أخلف الله عليك غيرهم ولا جمعني بك مرة أخرى.

وخرج الغلام من بين يدي الحجاج سالماً غانماً؛ بفضل ذكائه وفهمه ومعرفته وحسن إطلاعه.

🌾🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *