العودة من بني المصطلق

جاء الى النبي أسيد بن حضير وقال: يارسول، أرحيل في مثل هذه الساعة؟

فقال النبي: (أما بلغك ما قال صاحبك ابن أُبي؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل؟)

قال أسيد: لا والذي بعثك بالحق يارسول الله انت الذي تخرجه إن شئت، وهو والله الذليل وأنت العزيز،

فبلغ لرأس النفاق ان كلامه وصل للنبي، فجاء يكذب الخبر، وأخذ يحلف بالله أنه ما قال، ويشهد أصحابه بأنه لم يقل: يا رسول الله عسى ان يكون الغلام قد أخطء بنقل الحديث، وانصب اللوم والعتاب على زيد بن ارقم حتى زوج أمه عبد الله بن رواحة يلومه ويعنفه،

فاعتزل زيد وركبه الهم. ومضى النبي بالرحيل، فسار طوال النهار والليل حتى جاء النهار وارتفعت الشمس واشتدت، ثم نزل الناس، فناموا على الفور في العراء ونامت معهم الفتنة، ثم سار بهم طوال الليل حتى جاء النهار،

وزيد مهموم يناجي الله في قلبه: اللهم إني أقل من ان تنزل في شأني قران، ولكني ارجوك يارب أن تلقي في قلب نبيك ان يصدقني فقط، ولا يقال عني اني كذاب فتان، وفي سيره كان يواكب النبي، حتى كانت ساعة بعد طلوع الفجر وقبل شروق الشمس واذا براحلة النبي تثقل بسيرها، فأخذت ترفع رجلها وتضعها ببطئ، فعلمت أنه يوحى اليه، فغشيه ما غشيه، وتصبب جبينه عرقاً، وثبتت راحلته قدميها بالارض، فلما أُسري عنه نظر الى يمينه فرآني، فأبتسم لي في وجهي، وقال بأعلى صوته: (يا زيد) قلت: نعم يا رسول الله، فأقترب براحلته مني، ومد يده وأمسك اذني وشدها وقال: (لقد وفا الله بسمعك يا غلام) ثم نظر الى الصحابه واشار إلي وقال:(هذا الذي صدق القران سمعه) ثم قراء من سورة المنافقين، وصلى بنا صلاة الفجر بها،

فلما سمع عبد الله، ان هناك آيات نزلت بحق أبيه تكشف نفاقه، اعتقد ان النبي سيأمر بقتله فذهب الى النبي، وقال: السلام عليك يارسول الله، فرد عليه النبي، ثم قال: إنه بلغني أنك تريد قتل والدي فمرني به، فأنا أحمل إليك رأسه، فوالذي بعثك بالحق، لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني، والذي بعثك بالحق منذ اعوام، ما اكل طعاماً وشرب شراباً إلا من يدي، وإني أخشى أن تأمر به غيري، فيقتله فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار،

فبكى النبي صلى الله عليه وسلم حتى أبتلت لحيته، ثم ربد على كتفه وقال: (يا عبدالله ما هممت بقتله ولن نقتله، بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا)، وعندما اقترب الجيش من المدينة، قدم النبي الجيش بين يديه، وقال دعوا ظهري للملائكة فإنها تمشي خلفي، فسبق عبد الله الجيش كله، ووقف بسيفه على مدخل المدينة، يستعرض الناس وكل ما مر منه صحابي، يقول: دونك، دونك حتى اذا اقبل أبوه سل سيفه ووضعه في وجه ابيه

فقال ابوه: يا لكع ماذا تريد؟ فأخذ بخضام راحلته، وأناخها على الارض، ووضع قدمه على يد الناقة، ووضع السيف على عنق ابيه وقال: تزعم يا عدو الله بأنك عزيز ورسول الله ذليل؟ وأنك متى شئت تخرجه من مدينته، لا والذي بعثه بالحق لهو العزيز فينا، وانت الذليل ابن الذليل والذي بعثه بالحق نبياً، لن تدخل مدينته حتى يأذن هو لك،

فاقبل النبي صلى الله عليه وسلم، ورآى عبد الله ممسكا بأبيه، فقال: (ما بك يا عبد الله؟)، قال: بأبي وامي انت يارسول الله، يزعم هذا المنافق بأنه عزيز في المدينة وانت الذليل فينا، ويريد أن يخرجك منها، لا والذي بعثك بالحق، لأنت العزيز فينا، وهو الذليل ابن الذليل، فوالله الذي لا إله إلا هو، لا يدخل مدينتك ولا يجاورك فيها، حتى تأذن له انت بأذن صريح،

فبكى النبي مرة ثانية، وقال: (شم سيفك يا عبد الله وخلي عن أبيك، قلت لك سنحسن صحبته ما دام بين اظهرنا)،

فنفض ابوه وقام يصرخ لأنا أذل من الصبية، لأنا أذل من النساء، ليت امي لم تلدني، هكذا دخل المنافقون بعد أن افتضح أمرهم، وقد امتلأت قلوبهم بالغيظ والحقد على المسلمين،

🌾
🌹
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *