براءة أمنا عائشة

كان ابو ايوب الانصاري من خيار الصحابة، لم يتكلم بهذا الامر، وكان يأتي بيته مهموماً ويخرج مهموماً،

فقالت له زوجته: يا ابا ايوب أما سمعت مايقولون الناس بعائشة؟ فصرخ بها وقال: سمعت ذلك الكذب كله، فاحمرت عينه وارتفع صوته، فقلت وانا خائفة من صوته نعم، قال: أكنتِ فاعلة مايقوله الناس، فنفضت ثوبي وقلت: معاذ الله ورب البيت، فقال: والله إن عائشة خيرٌ منك واطهر.

تقول امنا عائشة: كنت عند ابواي وعندي امرأة من الانصار، استأذنت وجلست معي تبكي لا أعرفها ولا انساها لها، ثم دخل النبي وجلس ثم حمد الله واثنى عليه وقال: (يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممتِ بذنب، فأستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب الى الله تاب الله عليه).

فلما قال ذلك توقفت عن البكاء، فلم أدري ما اقول، ثم نظرت لأبي وقلت: أجِب رسول الله، فقال: ما أدري ما اقول لرسول الله؟ فألتفت الى امي، قلت: أجِيبي رسول الله، فقالت: ما أدري ما اقول لرسول الله؟ فقلت: والله لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في انفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم إني بريئة، والله يعلم أني بريئة، لا تصدقوني، ولئن أعترفت لكم بأمر، والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، والله ما أجد لكم مثلاً إلا قول أبا يوسف: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}، ثم جهشت بالبكاء وأدرت وجهي للحائط، ورسول الله جالس على فراشي،

قالت أمنا عائشة: فوالله ما كنت اظن أن ينزل في شأني قرآن يتلى به الى قيام الساعة، لأنا احقر في نفسي، أن ينزل الله بي قران ولكني كنت أظن أن يرى رسول الله رؤيا صادقة تبرئني، فهبط الوحي وأخذ النبي يجهد جهداً شديدا وغشيه ما غشيه من نزول الوحي، واخذ جبينه يتصبب عرقاً، فلما سري عنه وإن عرقه ليتساقط من جبينه، كانه الدُر والؤلؤ، ابتسم في وجهي وضحك، فكان اول كلمة قالها: (أبشري يا عائشة فقد برَّأكِ الله)،

فوثبت امي وقالت: قومي بنية، فأشكري رسول الله، فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أشكره ولا أشكر إلا الله الذي أنزل براءتي، فخررت ساجدة لله، وأخذ رسول الله بيدي فانتزعت يدي فنهرني أبوبكر، ثم تلى قوله تعالى من سورة النور: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ، لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ}.

فهي قضية اتهام الناس في شرفهم بالباطل، ووضعت لذلك عقابا دنيويا رادعا وهو الجلد ثمانين جلدة، وطبق في ثلاثة من الذين ثبت بالفعل تناولهم هذا الأمر بكلمات صريحة واضحة لا تأويل فيها وهم مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، أما بن سلول فلم يطبق عليه الحد، ولكن توعده الله تعالى وأصحابه بالعذاب الشديد يوم القيامة، فقال تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

🌾
🪷
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *