اسلام نعيم بن مسعود

في صباح الاربعاء، أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفكك هذا التحالف،

ففكر أن يعرض ثلث ثمار المدينة على قبائل غطفان في سبيل أن تنسحب وتترك حصار المدينة، وكان واثقا انها ستوافق وينسحبوا وسيسهل الإنتصار على من تبقى، فأرسل النبي الى سيدهم عيينة بن حصن، فجاء ومعه بعض الرجال، فأدخله النبي خيمته وعرض عليه الأمر، فوافق فقال النبي: (اجلس على ما انت عليه، حتى نستأذن السعدين)

فأرسل إليهما فلما حضرا وكان عيينة جالساً، وقد مد رجليه في حضرة النبي، فدخل سعد بن معاذ متوشحاً سيفه فلما رأى ذلك، وقبل ان يعلم ما الخبر نظر إليه وصرخ به وقال: يا عين الهجرس، أتمد رجليك في حضرة النبي؟ والله لولا أنك في مجلسه، وفي خيمته لأنفذت خصيتيك بهذا الرمح وصرخ في وجهه: أقبض رجليك، فقبض رجليه، ثم اخفض سعد رأسه وألتفت الى النبي بكل أدب وهدوء، وقال: سمعاً وطاعةً يارسول الله، أرسلت في طلبنا،

فأخبرهما بالذي تفاوض به مع عيينة وقال: (مارأيكما؟) فقال سعد بن معاذ بكل أدب: يا رسول الله، إذا كان هذا أمر من السماء قد أمرك الله به، فليس لنا من الأمر شيئاً امضي على بركة الله، وإن كان هذا الأمر تحبه وترضى فيه وترى فيه خيرا، فنحن طوع أمرك، أم إن كان شيء تصنعه لنا؟ فلنا فيه رأي، فقال النبي: (بل شيء أصنعه لكم، والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم)

فقال سعد بن معاذ: يا رسول الله، قد كنا وهؤلاء على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة، إلا قرىً أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا به، وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟ أنعطيهم الدنية في ديننا؟ لا والذي بعثك بالحق، لا نعطيهم إلا حد السيف فليجهدوا علينا ما استطاعوا، ما لنا بهذا من حاجة،

فتهلل وجه النبي كأنه القمر وسُر بكلام سعد وأقره، وعلم أن الأنصار هم الأنصار، لم تهزهم هذا الاحداث كلها،

ثم انصرف عيينة خائباً لم ينل خيراً، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم على رأي يخالف رأيه، وهذه هي مكانة الشورى في الاسلام ولم يكن هذا الراي رايا عنتريا غير مدروس، ولكن كان نظرة استراتيجية صائبة تماما وسيكون له تداعيات سلبية وخطيرة جدا في المستقبل، بأن غطفان قد حققت انتصارا على المسلمين،وبذلك تهتز صورة المسلمين أمام الجزيرة كلها وسيفتح باب الإبتزاز المستمر للمدينة، فكلما أرادوا مال جاءوا وحاصروا المدينة خاصة أن قبائل غطفان من المرتزقة الذين يعيشون على قطع الطرق،

ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة يوم الاربعاء لصلاة الظهر فجمعهم للصلاة، فصلى بهم وطمئنهم وقال لهم: (يا ايها الناس، لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية فإن لقيتم العدو فأصبروا واعلموا، أن الجنة تحت ظلال السيوف)، ثم بسط كفيه للسماء، يدعو الله: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب إهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وانصرنا عليهم)

فقال له بعض اصحابه: يا رسول الله قد بلغت منا القلوب الحناجر، فهل من شيء نقوله حتى تطمئن القلوب؟ قال النبي: (نعم، قولوا: اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا)

وفي مغرب هذا اليوم، وفي ذلك الموقف العصيب جدا، والذي يعتبر من أحرج لحظات الدولة الإسلامية، حدث أمر غير متوقع على الإطلاق، وهو اسلام نعيم بن مسعود، وهو أمر غير متوقع في ذلك الوقت بالتحديد، لأن نعيم بن مسعود من قبيلة غطفان، وذلك لموقف وصدق الانصار في موقفهم من خلال سيدهم سعد بن معاذ، صدقوا مع الله ورسوله وتوجهوا بقلوبهم مضطرين الى الله، فأسلم وجاء قبل الغروب وقد خرج مطروداً من سعد بن معاذ وهو في خيمة النبي صلى الله عليه وسلم في الصباح ليكون له دور كبير جدا في رفع الحصار عن المسلمين.

🌾
🪷
🌾

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *